دونت، الشاعرة والكاتبة والناقدة نادية نواصر، اسمها بأحرف من ذهب من بين أعلام الأدب والثقافة بمدينة عنابة والجزائر كذلك، حيث برزت وسط أسماء وقامات أدبية وثقافية لامعة، حملت على عاتقها الارتقاء بقطاع الثقافة وإيصال رسالة الكتاب وإيقاظ روح الكلمة بالشباب.
في هذا البورتريه سلطت “أخبار الشرق”، على المسيرة الثقافية والأدبية للأدبية نادية نواصر، التي صالت وجالت في محافل ثقافية وأدبية عربية وجزائرية، حيث تعد هذه القامة الأدبية من أولى شاعرات “بونة”، بدأت مشوارها من سن السابعة عشر، ظهرت في أواخر السبعينيات ضمن كوكبة من الشعراء الرجال، المرأة الوحيدة التي شقت طريق الكتابة بمدينة عنابة آنذاك. نشرت ديوانها الأول “راهبة في ديرها الحزين” في سن العشرين سنة، نشرت جل إنتاجها الأدبي بمختلف الجرائد الوطنية والمجلات العربية، وكرمت من طرف مؤسسات ثقافية، بالجزائر ودول عربية.
وقد مثلت نادية نواصر الجزائر بمحافل ثقافية دولية، ولها ما يقارب 50 إصدارا، ما بين الشعر والنقد والقصة والرواية، حيث بدأت نضالها الأدبي كشاعرة ما يؤكد أن جل إنتاجها شعري، تناولت في شعرها هموم الأنثى، والوطن، كذلك أوجاع القضية العربية، ما فاتها حدث مؤلم إلا وكتبت عنه، تناولت جرح لبنان وغزة، وتحدثت عن أعلام تاريخية جزائرية في صورة العربي بن مهيدي، جميلة بوحيرد وغيرهم. وكتبت نادية عن الزعيم الثوري الافريقي “نيلسون مانديلا”، الذي كان داعيا ومؤسسا للمواساة بالقارة السمراء، ومدافعا عن كرامة الإنسان وخلق وحدة بين السود والبيض، كموقف انساني وجدته في البطل الزعيم، دفع بها إلى تأسيس ديوان خاص به “رسائل ثورية إلى نيلسون مانديلا”، ترجمه الدكتور الكاتب محمد الطاهر عيساني، إلى اللغة الفرنسية. وقريبا هذا الديوان سيحلق نحو جنوب افريقيا تحمله الناشرة عذراء بويونس، صاحبة دار النشر “هيبورجيوس”، ليتم تسليمه لأحد أقراب الزعيم نيلسون مانديلا.
غزة.. غيض من فيض نادية
كما كتبت الأديبة نادية ديوان “قلبي على غزة”، رسمت فيه أوجاعها، وباحت بهذا الجرح العربي، واصفة الجوع القاهر ومعاناة الانسان الفلسطيني في الأوضاع الراهنة، الذي يعيش بلا مأوى وتحت المطر ويعاني البرد، في خيام بالية، وتحدثت عن خذلان دول عربية رافضين مواجهة هذا العدوان الصهيوني ونصرة القضية، وتحدثت عن وجعها الأكبر الذي يدمي قلمها، حيث أن كل القصائد في ديوانها تنادي بإعادة الحرية للشعب المستضعف، مثمنة مناصرة ودفاع الجزائر المستمر واللامشروط عن القضايا الانسانية العادلة في صورة القضية الفلسطينية.
المرأة.. رسائل شاعرة “بونة
وتحدثت نادية نواصر في دواوينها السابقة، عن مشاعر المرأة وعن عواطفها، معتبرة أنه من حق الأنثى أن تقول مشاعرها، لأن المحبة شعور إنساني يوحد بين البشر ويؤلف بين القلوب، ويقضي كذلك على الشر والحقد والضغينة، وهي عناوين كثيرة أوجدت نفسها وقيمتها في الحقل الأدبي في صورة “حتى ظننتك إني”، و”هذيان النار”، و”وشم على ساق الوردة” وامرأة من عنب”، والكثير من الدواوين التي وصفت فيها نادية مشاعرها، وحاولت أن تبين فيما قيمة المرأة ومكانتها التي تتخطى الجسد، بل هي عطاء فكري وحضاري، الذي يقول كيانها وكينونتها كإنسانة معطاءة محور الكون. وتعتبر في كتاباتها أن المرأة بمثابة عطاء فكري وحضاري، وكائن يسمو بالمجتمع إلى معارج الأخلاق وكل ماهو إنساني ونبيل، وهي ركيزة يبنى عليها المجتمع، لتعطي فردا صالحا ومواطنا وفيا لوطنه، وتصور نادية نواصر المرأة تصورا جميلا، تحاول من خلاله التحدث عن تلك المرأة التي يحتاجها المجتمع ودورها في تأسيس الوطن، معتبرة أن للمرأة قيم إنسانية تقود المبادئ التي تبني الفرد. وقالت نادية إن غالبية كتاباتها عاطفية لكنها لم تقصر في كتابة الأدب المقاوم، كتبت عن غزة وهي قضية محورية للأمة الجزائرية، كما تحدثت عن “شيغيفارا”، زعيم ناضل من أجل الفقراء والمظلومين والمقهورين، ناضل من أجل أن يسحق خونة الوطن.
“قهوة القاضي”.. ترسيخ للنزاهة والعدالة
ترسم الشاعرة نادية مسيرتها بدواوين كثيرة، تطرقت خلالها إلى القصة في صورة “قهوة القاضي”، وتحدثت فيها عن محاولة ترسيخ مبادئ المرأة أمام مغريات العصر، كما تحدثت عن أهمية النزاهة والضمير المهني، معتبرة أن القاضي يلعب بمكانته دورا هاما في المجتمع، كنموذج مثالي في الضمير المهني ومختلف مراحل الأمة، حتى على صعيد القضاء والعدالة واصفة القيم الانسانية، لأن معظم الكتابات المغرية _حسبها_ يحاول الكتاب فيها التأثير على القارئ، ويستعملون فيها الخروج عن الخطوط الحمراء لتستهوي الشباب، وهي ترغب في العودة والتمسك بالمبادئ وترسخ الأخلاق والإنسان بكل إنسانيته.
أبطال الجزائر ضد فرنسا بقلم نادية نواصر
كتبت نادية عن العربي بن مهيدي وجميلة بوحيرد، وكتبت الكثير من الدواوين التي تنتظر الطبع مثلا “رسائلي إلى مفدي زكريا” شاعر الثورة الجزائرية، يستحق منها الكتابة، الشاعر الذي كتب نصوصه بالدم على جدران السجن، ونزف حرفه من أجلها. كذلك سيطبع ديوان جديد للكاتبة والشاعرة نادية تحت عنوان “ليلة الغدر بلالة فاطمة نسومر”، في رؤية المرأة الشجاعة التي ناضلت رغم صغر سنها، وانتهى بها الأمر إلى القتل والوقوع بيد الأعداء وماتت شهيدة لأجل الوطن.
المشاركة في” سيلا”.. مسيرة مستمرة
وعن مشاركتها في معرض الجزائر الدولي للكتاب 2024 تقول نادية نواصر إنها واظبت على المشاركة، فخلال سنة 2022 شاركت بعشر دواوين صدروا دفعة وحدة، استقطبت الكثير من القراء وهو سابقة، وفي سنة 2023 شاركت عن “دار سيفار” للنشر بإصدار 10 دواوين دفعة واحدة، وفي السنة الحالية، كانت مشاركتها مع دار “هيبوريجيوس”، بإجمالي ست أعمال “رسائل إلى نيلسون مانديلا”، و”حتى ظننتك إني” و”قلبي على غزة”، وصدر لها كتاب يخص 43 سنة من نضال الشاعرة الثقافي بعنوان “نادية نواصر في عيون النقاد” للكاتبة عذراء بويونس، فيه ما يقارب 78 شهادة لكبار الكتاب والأكاديميين من الجزائر ومختلف الدول العربية عن مسيرة نادية ونضالها الثقافي. كما تقول إن الطبعة السابقة، قدمت فيها عشر عناوين نفذت كلها وتم اقتنائها، تؤكد أن الشعب الجزائري قارئ بل وشغوف بالقراءة، وبطبعة 2024، كان الحضور في المستوى خلال أيام العطل، داعية إلى تكريس فعل حب القراءة حتى يخلق قارئ شغوف بالقراءة، خاصة بالنسبة للأطفال والشباب، كذلك فقد شاركت الكاتبة بست أعمال تم انتقائها من طرف قرائها.
حب الكتابة.. عشق أزلي
وتقول نادية إنها أحبت الكتابة كحبها للرغيف والأكسجين، وأنها واجهت خلالها العديد من التحديات، لكنها منحتها ثمارها، بحيث أن كتاباتها وصلت للقراء والأكاديميين والإعلاميين، واستضيفت في مختلف الحصص الإعلامية الجزائرية. كما طبعت الكاتبة انتاجها من نفقاتها الشخصية. وبعد كل ما خاضته من شعر ونقد ورواية تقول نادية نواصر، إن الكتابة هي الطبيب الذي تشكوا إليه أوجاعها، تلك الأوجاع التي لا نستطيع أن نشكوها لطبيب العيادة، بحيث أن الكتابة في نظرها تشخص أوجاعا خاصة، بحيث بإمكاننا عبر الكتابة _تضيف_ التعبير عن أوجاعنا تجاه الوطن العربي.
ديوان خاص بمدينة عنابة.. قريبا
كما كتبت ديوان عن مدينة عنابة “هيبوريجيوس” بدعم من قطاع الثقافة، وسيصدر لها قريبا، وتحدثت عن المدينة والمكان وعن معالم مدينة “بونة”، وعن حبها لعنابة وعشقها لتراثها وعاداتها وتقاليدها ولهذا الجمال الساحر بها وعن سواحلها، حيث وصفت اللوحة الجميلة لمدينة عنابة مسقط رأسها وميلادها، المدينة التي ناضلت فيها بالقلم والكلمة، واصفة”ايدوغ” والمنارة ورأس الحمراء، والمدينة القديمة التي تعبر عن التاريخ والأشياء العتيقة الرائعة التي تقدم وتجسد عنابة الجميلة.
رواية أوريسيا.. من الباب الواسع
ودخلت نادية نواصر إلى عالم الرواية من الباب الواسع، بروايتها “أوريسيا”، حيث طبعت نسخ منها نفذت في معرض سيلا هذا العام، وحسب رأي القراء اهتم بها أكاديميون بجامعة سكيكدة فور صدورها لتقديمها في رسالة ماستر 2، حيث ترى أن الأمر شيء جميل يسلط الضوء على روايتها، مشيرة إلى إمكانية إعادة طبع كميات أخرى، بحيث أن رواية “أوريسيا”، تتحدث فيها عن الحراك الشعبي وعن الشعب الجزائري، الذي تربى على حب الوطن، وعن أحفاد الأمير عبد القادر وأشقاء جميلة بوحيرد، والعربي بن مهيدي، وتحدثت عن شعب رضع من حليب أعظم ثورة حيرت العالم، شعب المليون ونصف المليون شهيد، حيث انتفض في حراكه الشعبي ضد الفساد وعبر عن تمسكه بحبه لوطنه، واصفة الحراك الجزائري بأنه تعبير عن وعي الشعب الجزائري، وعن سلميته، ثم أدرجت الجرح الفلسطيني واللبناني وتحدثت عن اعتزاز المواطن الجزائري بأنه ابن بلد لا تنتمي إلى قطيع التطبيع، وفي هذه الرواية حاولت زرع الهوية الوطنية، في الشباب والجيل الجديد، وزرع ثقافة الحفاظ على هذا الوطن وهويته وتاريخه وتراثه، وعلى كل ما له علاقة بالوطنية، تجربة أولى لنادية في الرواية، تلقت استحسانا كبيرا من طرف الذين تناولوها في القراءة، كحوصلة ما كان يطهى على نار هادئة في تاريخ الابداع، ولم تكتب الرواية لأننا في عصرها “تقول”، بل كتبتها عندما جاءتها الرواية، شخصت فيها المراحل التي مرت بها الجزائر، وتطلبت منها السرد المفتوح والمساحة الشاسعة من البوح والحقائق والتأثيث لهذه الأرضية التي وجب أن يقف عليها الوطن الغالي.
صالون نادية.. بصمة خالدة
كما تحدث نادية نواصر عن تجربة صالون نادية، حيث وبعد مسار أدبي وعطاء دام 43 سنة، فكرت أنه لابد وأن تترك شيئا جميلا وبصمة ثقافية وهو تعبير عن بداية حراك ثقافي، حيث بدأت بالشعر النسوي، وحاولت منذ البداية التطرق إلى مواضيع نادرة غير متداولة تؤرق الكتاب والمثقفين وتطرح همهم الثقافي لإيجاد من مخرج تجاه القضايا التي تطرح في الصالون، الذي تطرق إلى قصيدة “الهايكو” والترجمة والمكان، وكذلك إلى الاعلام الثقافي، وشعر السبعينات والمقارنة بين تجربتين للجيل الجديد والسابق، وثورة الأدب، وتناولت الرواية من الكثير من المواضيع الهامة، التي حاولت طرحها ومناقشتها وهو صالون استقطب الكتاب والإعلاميين والسياسيين، واجتهد في كسب جمهور يتردد على القاعات ويستمتع ويناقش ويحلل ويفكر، كما سيواصل الصالون طريقه ويتطرق إلى مواضيع مهمة في الحقل الثقافي وكل ما يخدم الكاتب والشباب أصحاب التجارب الناضجة. والصالون حضره قامات أدبية منهم عبد العزيز غرمون، عبد الرزاق بوكبة، تناول قضايا النقد، مع مجموعة من الأكاديميين الكبار، باعتباره موضوعا هاما بحاجة إليه في الساحة الثقافية حاليا.
أمير قورماط