تستذكر ولاية عنابة كغيرها من الولايات الجزائرية، وتزامنا مع إحياء الذكرى 70 لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر، ملاحما بطولية خالدة لمجاهدين رسخوا أنفسهم في صفحات التاريخ، وتناقلت سيرهم جيلا عن جيل، إذ قدموا دروسا جبارة في الكفاح لإسقاط أكذوبة فرنسا التي لا تقهر.
تشتهر ولاية عنابة التاريخية بعدد من المجاهدين الثوار الأحرار الذي ضحوا بحياتهم، ومن بين هذه الأسماء المجاهد الراحل دلالو حسين، الذي قدم نفسه فداء للوطن الجزائري ورغبة في نيل الحرية والاستقلال. وقد ولد المرحوم المجاهد دلالو حسين بتاريخ 11 جانفي 1942 بمدينة عنابة، حيث ولد وسط أسرة محافظة، متكونة من 10 أفراد، والده المرحوم بوعيشة، والأم رحلي وناسة، وأربع بنات، كذلك أربع ذكور، وهو أصغرهم. وقد زاول المرحوم المجاهد دراسته الابتدائية بمسقط رأسه بمدرسة حي “جوانو فيل”، سابقا، وهو الحي المسمى حاليا “حي سيبوس،” ليترك مقاعد الدراسة وعمره 12 سنة فقط. توجه مبكرا إلى الحياة المهنية ليعمل في مقصبة والده بالحي لفترة وجيزة، لأنه كان كثير الشجار مع أبناء المعمرين.
وعقب ذلك، غادر المرحوم المجاهد التراب الوطني الجزائري سنة 1956، ردا لطلب والدته التي كانت خائفة من أن يقتل على يد المستعمر وعمره أربعة عشر ربيعا، على متن باخرة من ميناء عنابة متجهة إلى مرسيليا بفرنسا، كمسافر غير شرعي “حراق”، ليستقر الراحل بعدها في العاصمة الفرنسية باريس، أين تم الاتصال به من طرف أحد أعضاء جبهة التحرير الوطني وتكليفه بعملية فدائية تتمثل في اغتيال ضابط شرطة فرنسي بإحدى شوارع باريس، وذلك قصد العمل على تجنيده في صفوف الجبهة من أجل القضية الوطنية وتحريره من أيدي المستعمر الغاشم. رغم أن السلاح الذي أعطي له كان فارغا، إلا أنه تجاوز الاختبار بنجاح. وبعد تنفيذ العملية اضطر إلى مغادرة باريس نحو مرسيليا، ليصدر الأمن الفرنسي إشعار بحث بشأنه avis de recherche بتاريخ 24 نوفمبر سنة 1954. ومن ثم إلى أرض الوطن والعودة إلى مسقط رأسه عنابة بوثائق مزورة، ليعاود أعضاء جبهة التحرير الوطني الاتصال به من أجل تكليفه مرة ثانية بمهمة أخرى على أرض الوطن، ممثلة في الاستحواذ على سلاح رشاش من نوع mat 49 من عسكري فرنسي منطقة choumarelle بحي سيبوس في عنابة. وحسب المصادر التاريخية التي تحوز عليها “أخبار الشرق”، فقد كانت هذه نقطة تحول لمسار المجاهد الراحل، ليلتحق فعليا رفقة أخيه الأكبر سليمان ومجندين آخرين بالقاعدة الشرفية الحدودية بالكاف التابعة لدولة تونس الشقيقة سنة 1958. وهناك التقى برئيس الجمهورية الراحل الشاذلي بن جديد ليدمج بعدها بمدرسة إطارات الثورة Ecol des Cadres de la révolution خلال سنة 1958.
وليتم بعد ذلك اختياره رفقة البعض من زملائه للانضمام إلى المنظمة الوطنية للتسليح والاتصالات العامة MaLG تحت قيادة المرحوم عبد الحفيظ بوصوف. وكانت أول وحدة إشارة تخصص اتصالات سلكية ولاسلكية سنة 1959. وبعد ذلك حول المجاهد الراحل ابن حي سيبوس، مباشرة للعمل كضابط تحت اسم “كريمو”، في المنطقة الصحراوية. Zon saharienne سنة 1960.بقيادة فرحات حميدة المدعو زكريا في نقطة الربط المسماة Les Trois s بين الدول الثلاث الممثلة في الجزائر، تونس وليبيا . إلى غاية تلقيه برقية توقف الحرب 19 مارس 1962 المصادف لعيد النصر. وبعد الاستقلال انفصل المجاهد المرحوم دلالو حسين عن الجيش الوطني الشعبي سنة 1964، وعين كمدير ولائي للإشارة على مستوى ولاية عنابة، إلى غاية سنة 1970، وفي ذات السنة وحسب مصادرا تاريخية فقد شارك المجاهد في الحدث الوطني المتمثل في تأميم البترول بحاسي مسعود، وبعد ذلك فقد تمت ترقيته إلى منصب مدير جهوي لمنطقة الشرق الجزائري للإشارة إلى غاية 1970.
كما التحق المجاهد الراحل بالسلك الديبلوماسي بوزارة الخارجية، حيث عين كملحق لدى سفارة الجزائر بنيامي عاصمة دولة النيجر، وهذا خلال الفترة الممتدة ما بين سنتي 1980، إلى غاية 1982. بعد ذلك التحق لدى سفارة الجزائر، ببون في ألمانيا الغربية خلال الفترة من سنتي 1982 و1986، قبل أن يعود الراحل إلى أرض الوطن ويواصل مشواره بوزارة الخارجية حتى تقاعده في عام 1991. وإلى جانب كفاحه في سبيل الوطن ونيل الاستقلال من المستعمر الفرنسي الغاشم، وكذا مساره المهني، فقد كان المجاهد المرحوم دلالو حسين، يمارس هواياته الرياضية، وأهمها رياضة الملاكمة في نادي JIBAC، وهذا خلال سنة 1962، تحت إشراف المدرب المرحوم بن فرج ساسي، حيث اجتاز عدة تخصصات حتى نال لقب مدرب محترف.
وشاء القدر، أن يرحل المجاهد إلى جوار ربه بعد مرض عضال في أول أيام عيد الفطر المبارك وتحديدا بتاريخ 13 ماي 2021، تاركا خلفه زوجته دلالو الهذبة، وثلاثة ذكور، وخمس إناث، إضافة إلى 13 حفيدا.
أمير قورماط