الخميس 28 مارس 2024
أخبار الشرق

عنابة من ما قبل التاريخ إلى عهد الاستقلال

 

الثقافة والحضارة والدين لا يمكن استعارتهم أو استيرادهم

من إعداد المهتم بالتاريخ الأستاذ نذير شلالي

الثقافة والتاريخ وكذا الحضارة و الدين لا يمكن استعارتهم و استيرادهم و حتى إن استعرنا الحضارة و الدين فلا يمكن أن ينطبق على مجتمع غير مجتمعهما لأن الحضارة و التحضر و الدين والتدين يستوجبان القبايلية، ولا يمكن للشعوب أن تتثقف و تتحضر إلا برزانة و لن تبلغ الحضارة إلا بالعلم و لا تقوم الثقافة في مجتمع إلا بعد تمجيد الذاكرة الجماعية الذاكرة الشعبية و إعطائها حقها و إحيائها في الناس لأنها أصل في الهوية

فالثقافة وخاصة مادة التاريخ ليست محفوظات أو متون تحفظ من غير فهم لأن دروس التاريخ التي حفظناها و يحفظها أبنائنا اليوم في المدارس مجرد حفظ بلا فهم حفظ لدروس من غير تمعن في الأبعاد و المعاني والأسباب و الرمزيات التي ترسخ الاعتزاز بالإنتماء، ففهمنا للتاريخ فهم سطحي ليس بالعميق الذي يكفل لنا التمعن و الاعتزاز بأمجادنا

و ليست الثقافة علما دقيقا و معادلات مضبوطة لأن الثقافة هي ما تبقى في ذاكرة الذاكرة الجماعية و هو ما حفظته بعد ما نسيت الكثير من الفنون و الأعراف و المعاني و الألحان و الكلام و الخبرات، وهي أيضا كل ما يكتسب من أشياء عديدة على مر السنين

الإنسان هو القوة المحركة للتاريخ

لا نستطيع البحث في التاريخ ونحن بمعزل عن صانع التاريخ الإنسان أو الفرد بل المواطن والإنسان إبن بيئته و كما يقول كانط أن الانسان و تاريخ الانسان هو القوة المحركة للتاريخ و ليس مجرد نتيجة تاريخية إذن فلا وجود للتاريخ من غير الإنسان و على هذا الأساس فعيش الانسان في أي مكان كان يرتبط بتاريخه و يتعين عليه معرفة تاريخ أجداده والمكان الذي يسكنه حتى يتمتع برسوخ تاريخي ثقافي يكفل له اثبات هويته بطريقة أو بآخرى

الدين كان دعامة أساسية للحضارة

فإذا تتبعنا مسار التحضر الاسلامي منذ أول عهد الدولة الاسلامية نجد أن الدين كان دعامة أساسية للحضارة و التوجه الفكري والثقافي لأنه منبع القيم التي تقوم عليها الحضارة من معاملة وطهارة باطنية وخارجية ونظافة للمحيط و البيئة ومثابرة و علم و حسن فهم و تعلم و بناء و تخلق و قبول للآخر و تسامح و حب و التبسم في وجه أخيك و إماطة الاذى عن الطريق، فحضارة الأمم الإسلامية التي سبقتنا كانت مرتكزة على قيم تربوية  ودين بمفهوم صحيح صائب و على العلم و حب التعلم و التطور العلمي، فاذا أجتمعت التربية والدين والعلم  و العدالة قامت الحضارة، لأن التربية و الخلق أساس في الإيمان بالوجود الاجتماعي بل أن الأخلاق و التربية الجيدة هي روح المجتمع المتحضر و الإيمان رابطة أخلاقية دينية تجعل الناس يقدمون المصلحة العامة على المصلحة الشخصية و الإيمان بالوجود الإجتماعي أو العيش في المجتمع يكرس إحترام الآخر و الحرية و التنوع الثقافي و الفكري و الإيمان بالعيش في المجتمع  مع العلم و الدين تتحقق به العدالة لأن صلاح المجتمعات ونجاحها أساسه الفرد و المجتمع، كما أن الدين والمذاهب الفقهية لم تكن جامدة بل سايرت مظاهر تطور الحياة لدى المسلمين وسايرت التطور العلمي والإجتماعي وهذا ما جعل التطور العلمي والإجتماعي مكفول بالدين لأن الدين واجتهاداته واكب الواقع المعاش و التطور الاجتماعي

وجود الإنسان في عنابة يعود إلى ما قبل التاريخ

وعنابة مدينة يعرف تاريخها تنوعا هائلا في الثقافات والحضارات والديانات والمذاهب منذ العصر القديم، فوجود الانسان في منطقة عنابة يرجع إلى فترة ما قبل التاريخ بكثير فما وجد من أغراض قديمة في الأبحاث التي قام بها الفرنسيين  في منطقة الإيدوغ و رأس الحمراء  وواد زياد وفزارة يثبت الوجود الإنساني منذ آلاف السنين في المنطقة

الفنيقيون قدموا إلى ميناء “ايبون” في القرن 11 قبل الميلاد   

و في القرن الحادي عشر قبل الميلاد عرف ميناء “ايبون” قدوم الفينيقيين شهرة في البحر المتوسط و ازدهرت مع حليفتها قرطاج و عرفت المدينة بمدينة الملوك و صار لها دور محوري سياسي دفاع حربي حتى ان قايا النوميدي والد ماسينيسا لما هاجم قرطاج انطلقت جيوشه من ايبون ايبونة هيبورجيوس

“هيبورجيوس” مدينة خليج الملوك

هيبورجيوس مدينة خليج الملوك التي عرفت دين النصرانية في العهد الروماني عرفت الفكر و المسرح و الفنون، و ظهرت فيها مذاهب دين النصرانية و كان للقديس دونا في هيبون كنيسة و أتباع  من السكان الأصليين البربر الذين كانوا يشتغلون بالفلاحة و الرعي و كان مذهبهم أقرب للتوحيد و معادي لروما.

وقوع صراع مذهبي بين الدوناتيين والبربر بعد قدوم القديس أوغستين

و بعد قدوم القديس أوغستين إلى هيبون تواجهت المذاهب و عرفت المدينة صراعا مذهبيا بين الدوناتيين من البربر الذين لم يوالوا روما والقديس اوغستين الذي رسخ دعائم “الكاتوليكية” في النصرانية و أعلن ولائه لروما، و كان للدوناتيين ثورة إجتماعية جراء الأوضاع المتردية آنذاك  ضد من كان لهم نفوذ و سلطة من رومان و النوميد الذين كانوا في صف روما  ثورة نادوا  فيها بالعدالة الإجتماعية وفقا لمبادئ المسيحية و تحطيم الامتيازات الخاصة بفئة واحدة و فصل الدين عن السلطة التي استخدمت الدين لخنق الحريات لكن هذه الثورة اخمدت

و برز بعدها القديس اوغستين أسقف هيبون و عظيم دين النصرانية صاحب المذهب التجديدي في المسيحية و صاحب الفكر و الفلسفة

المسلمون أطلقوا تسمية “بونة” على المدينة

وبعدها دخل المسلمون مدينة هيبون وأسموها بونة حتى يسهل نطقها على لسانهم و قد فتحت على اصح الاقوال سنة 78 هجرية في على يد القائد الامير حسان بن النعمان

سكن المسلمون المدينة و عمروها و قد ذكرها العديد من الرحالة في كتبهم و عرفت حكم الأغالبة  والفاطميين و كذا الزيريين الصنهاجيين  عندما قامت دولتهم و في عهدهم  بنيت مدينة جديدة عرفت بمدينة زاوي أو بونة الحديثة في المكان المعروف اليوم بالمدينة القديمة “بلاص دارم” و الذي كان يعرف سابقا بعنابة لأنها حقيقة  تلك هي مدينة عنابة العتيقة و هي أصل تسمية الولاية بأكملها

“بلاص دارم” تسمية استعمارية تنقص من قيمتها وكان إسمها “بطحة سيدي شريط”

وتسمية “بلاص دارم” هي تسمية استعمارية أنقصت من قدر المدينة ومكانتها و أعطتها تسمية وصفية احتقارية سمت مدينة بأكملها بإسم ساحة كان يعرض فيها السلاح و إنما الساحة التي أخذت إسمها المدينة هي التي كانت تعرف ببطحة سيدي شريط نسبة لأقدم أحد المساجد الذي كان في ذلك المكان و أخذت الساحة اسمه المسجد الذي كان في المكان الموجود فيه اليوم فندق الصفصاف في ساحة 19 أوت 1956

مدينة “زاوي”، “دار الجرادة” والعديد من الأحداث التاريخية

مدينة محمد زاوي الأمير الزيري كان أميرا في غرناطة ويعتبر أحد مؤسسي مدينة غرناطة الاندلسية وبعدما نزل القيروان جاء إلى بونة وبنى فيها مدينة حديثة ولهذا سميت بمدينة زاوي وقد استقبلت المدينة أولى الهجرات الأندلسية في وقته و تشكلت مدينة بونة الحديثة كما سميت بدار الجرادة و حمام الجرادة الذي يعرف اليوم بحمام القايد او حمام متيجي نسبة لآخر مالكيه،و بعدها استقبل اقليم بونة القبائل الهلالية التي تمركزت في سهل اقليم بونة

الحماديون، الموحدون، الحفاصيون والعثمانيون مروا من هنا

حكم المدينة الحماديين أبناء عم الزيريين ووصلها بعدهم حكم الموحدين و بعدهم الحفصيين و جاء العثمانيين و بعدهم المستدمرين من الفرنسيين الذين دمروا الكثير و الكثير من تراثنا المجيد و نحن نعيش اليوم في عهد الجمهورية الجزائرية بامتداد ضارب في عمق التاريخ ثابت تتشكل به ثقافتنا كأمة و هو احد مقومات هويتنا، وعلى مر العصور كانت عنابة منطقة محورية للعبور و مركزا تجاريا مهما في قلب البحر الابيض المتوسط كما انها اشتهرت بعلمائها و ـعلامها الذين عرفوا بها و عرفت بهم و أخدوا إسمها من الحافظ البوني و الشيخ البوني و دار البوني بعلمائها و العنابي و ابن سيد بونة ، و كثير من علمائها كان لهم الفضل في شتى العلوم و المجالات ربما نجهل الكثير عنهم و عن فضائلهم ولكن ذكرهم باقي في الجزائر و في العالم بأسره لأنهم ارتبطوا بالمدينة وخاصة من ارتبطت أسمائهم بالمدينة وحتى ان زهد المؤرخون في الاعتناء بتاريخ عنابة التليد فسنحاول من خلال هذه المقالات تسليط الضوء على تاريخ عنابة و أقليمها لأن عنابة مدينة لا ينفصل تاريخها عن أقليمها الجغرافي وكذا التعريف بأبنائها و علمائها ومن سكنها واستقر بها و نتطرق أيضا لمبانيها و معالمها و طبيعتها و جمال و سحر ساحلها و ثقافتها و عادات و اعراف أهلها

مواضيع ذات صلة

الإطاحة بمروج خطير للمؤثرات العقلية بالبسباس في الطارف

akhbarachark

توقيف 5 أشخاص متورطين في قضايا مختلفة بعنابة

akhbarachark

حجز مواد غذائية عير صالحة للاستهلاك في السوق المركزي للخضر والفواكه بعنابة

akhbarachark