اخترنا أن نعرفكم بالأستاذة الدكتورة ربيعة برباق وهي خريجة جامعة باتنة وأستاذة في اللسانيات بجامعة تبسة حاليا من بين الأسماء اللامعة والمعروفة على المستوى الوطني والعربي والمغاربي سبق وأن نشرت وزارة الثقافة الأردنية إصدارا لها وكتاب آخر صدر في تركيا، حدثتنا عن رأيها في اختلاف اللهجات في الجزائر، إصداراتها القديمة وأعمالها المستقبلية والعديد من المعلومات الهامة المتعلقة باللسانيات، الدكتورة ربيعة برباق “لامعة” وامرأة ناجحة بكل المقاييس من خلال أسلوبها الجميل وولوجها إلى قلوب القراء وكان لنا معها هذا الحوار:
بداية عرفي القراء بنفسك؟
الأستاذة الدكتورة ربيعة برباق، ابنة الأوراس، خريجة جامعة باتنة، أستاذ اللسانيات بجامعة تبسة حاليا، إلى جانب اهتمامها بالبحث العلمي في اللغتين العربية والأمازيغية والمجالات اللسانية النظرية منها والتطبيقية، خاضت مؤخرا تجربة الكتابة القصصية والنشاط الأدبي والثقافي، فهي كأي أكاديمي مثقف يحاول استثمار معارفه في خدمة المجتمع.
حدثينا عن تفاصيل إصداراتك ؟
معظم إصداراتي كانت في مجال تخصصي العلمي الأكاديمي، فكان أولها كتاب علم الأصوات (دليل الطالب الجامعي) سنة 2016، دفعني إلى تأليفه ما رأيته من حاجة الطلبة إلى كتاب يجمع شتات المادة العلمية المقررة في دروسهم ويشرحها بأسلوب علمي دقيق مستعينا بالصور والرسومات. ثم كتاب “لسانيات التلفظ” وهو نشر ثنائي رفقة الدكتورة المتميزة سارة جابري، والذي نشر من طرف وزارة الثقافة الأردنية، ثم تلاه كتاب دلالة الألفاظ عند العرب، الذي نشر بتركيا، وكتاب صناعة المعجمات العربية الذي نشر في الجزائر.
كما حررت كتابين جماعيين بإشراف مخبر اللغة والتواصل بجامعة غيليزان، الأول بعنوان دراسات معجمية، والثاني دراسات مصطلحية.
وأيضا أسست مجلة “روابط” وهي مجلة دورية دولية محكمة صدر منها أربعة أعداد حوت مقالات علمية قيمة من أسماء لسانية عربية ومغاربية كبيرة. بالإضافة إلى المقالات الكثيرة المنشورة في مجلات علمية محكمة داخل الوطن وخارجه.
هل أنت بصدد التحضير لإصدار جديد؟
بين يدي مشروع كتابين أدبيين لم يكتملا بعد، كنت قد بدأتهما في فترة كورونا، لكني تعطلت عن استكمالهما بسبب التزاماتي العائلية وظروفي الصحية، كتاب في القصة القصيرة والومضة، أسميته “بالمختصر المميت”، وآخر في النثر الفني عنونته: “سلة الذهب من غلة الأدب”.ومشروع كتاب في اللسانيات العامة اكتملت مادته منذ مدة أيضا لكن لم يكمل تعديله للنشر للأسباب نفسها.
ما رأيك في تطور اللسانيات على العموم؟
اللسانيات من العلوم التي نشأت بفضل النهضة الفكرية الحديثة، بهدف تصحيح مسار البحث اللغوي عموما، بوضعها في سياق العلوم الموضوعية التي ترتكز على أسس علمية دقيقة وقوانين شاملة بعيدا عن تأثير النزعات والمنطلقات والخلفيات الخارجة عنها، وهذا انجاز عظيم إذ أسهم في ظهور نقاش علمي كبير أفضى إلى نظريات لسانية كثيرة ونظريات مختلفة، كما اختلفت مناهج التفكير بين بنيوي وتواصلي وتوليدي وتداولي وعرفاني وغيرها.
وربما أفضل ما حققته اللسانيات المعاصرة خروجها من التنظير إلى التطبيق في مختلف مجالات الحياة وإسهامها في حل بعض مشكلاتها ذات الصلة باللغة، كمجال الحوسبة والبرمجة والترجمة والذكاء الاصطناعي، ومجال الطب وعلم النفس، واللسانيات القانونية والجنائية وغير ذلك. كما لا ننسى إسهامها الكبير في نشأة وتطور مناهج النقد الأدبي، وصناعة المصطلح والمعاجم والإعلام والإشهار وغير ذلك.
إختلاف اللهجات في الجزائر، ما هي فائدته اللسانية؟
الاختلاف سر الحركية في الكون، حتى قوانين الفيزياء قائمة على قطبين مختلفين، كذلك اختلاف الألسن واللهجات، قال تعالى: (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم). فاختلاف الألسن واللهجات والعادات النطقية جزء منها آية خلقها الله كما خلق الأرض والسماوات، هو من جعلها مختلفة كما جعل الألوان مختلفة. ولو شاء لجعلها واحدة، لكن لحكمة عظيمة اختلفت وتباينت تاريخيا وجغرافيا، قال الزمخشري في تفسيره للآية: الألسنة اللغات أو أجناس النطق وأشكاله، خالف عز وعلا بين هذه الأشياء حتى لا نكاد نسمع منطقين متفقين في همس واحد، ولا جهارة ولا حدة ولا رخاوة ولا فصاحة، ولا لكنة ولا نظم ولا أسلوب، ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله، وكذلك الصور وتخطيتها، والألوان وتنويعها، ولاختلاف ذلك وقع التعارف، وإلا فلو اتفقت وتشاكلت وكانت ضربا واحدا لوقع التجاهل والالتباس، ولتعطلت مصالح كثيرة”، فالاختلاف يحرك العقل ويجعله يفكر، يحرك الناس ويعلها تتعارف، وقد أثبت العلم أن تعلم اللغات واللهجات يزيد في الذكاء والعلم والثقافة ومعرفتك للآخر المختلف يزيد من معرفتك بذاتك، وكلما تعودت على التنوع والاختلاف تخلصت من التعصب الفكري واقتربت من الموضوعية العلمية.
والجزائر بلد غني وثري لغويا ولهجيا أيضا، أسهم في هذا الغنى والتنوع ما مر عليه من أطوار تاريخية، واتساعه على الرقعة الجغرافية وترامي أطرافه بين مختلف الألسن والثقافات، فعلى الإنسان العاقل أن يستغل هذا التنوع ليزداد علما وثقافة ومعرفة لسانية، لأن اللساني المحنك في نظري يجب أن يمتلك على الأقل نظامين لسانيين كي يتمكن ذهنه من إجراء عمليات مقارنة والتقابل، ويمكن أن يستثمر في هذا التنوع اللغوي واللهجي علميا، كوضع المصطلحات للمفاهيم المستجدة بدل استيرادها، وثقافيا وأدبيا مثلما نراه في الشعر الملحون والأدب الشعبي والأنثروبولوجيا وغير ذلك، وسياحيا أيضا بفضل التعدد اللغوي.
أين تتواجد مكانة الكتاب الورقي في ظل طغيان الرقمنة ومواقع التواصل الاجتماعي؟
إن أردنا حصر الحديث على بلداننا قلنا أن ثقافة الكتاب بنوعيه الورقي والالكتروني نادرة، ومقروئيته قليلة جدا، لقلة الوعي، والكتاب الورقي بصفة خاصة لم يشهد يوما مكانة هامة في مجتمعاتنا بحكم الجهل والتخلف، إلا عند قلة من مثقفي المجتمع وخاصتهم من العلماء والأدباء، والآن للأسف لم يتغير الوضع كثيرا بحكم طغيان الوسائل السمعية البصرية والنشر الالكتروني، مقابل غلاء الكتاب الورقي ذي القيمة العلمية والأدبية. ورغم النزيف الورقي الذي أصاب دور النشر مؤخرا، إلا أن الرداءة طغت عليها، ووجدت طريقها إلى المكتبات بسبب كثرة المتطفلين وانعدام التقييم والتحكيم الموضوعي من طرف دور النشر التي تحولت إلى مؤسسات تجارية جشعة لا مؤسسات ثقافية، زادت من وضع الكتاب سوءا.
هل معرض الكتاب يمنح الإضافة المرجوة منه إلى الكتاب؟
كما ذكرت أعلاه، بتحول دور النشر إلى مؤسسات تجارية تبحث عن الربح لا عن النوعية، وتناسيها دورها الثقافي والعلمي في بناء المجتمع، لم يعد لمعرض الكتاب فائدة كبيرة كما كانت سابقا، خاصة بالنسبة للكتاب المحلي باستثناء بعض المؤلفات الأدبية كالرواية، أما الكتاب العلمي فقد تراجع الإقبال عليه بشكل واضح بسبب توفر المعلومات والمعارف في المواقع الالكترونية وقلة الجديد الذي تقدمه مقارنة بالكتب القديمة، إضافة إلى العزوف عن القراءة بشكل عام.
ما هي النصيحة التي تقدمينها للكتاب الصاعدين؟
نصيحتي لكل كاتب صاعد، اقرأ كثيرا قبل أن تكتب، نوع مما تقرأ، تعلم مما قرأت لكن حين تكتب لا تقلد ما قرأت، كن أنت، أنت وفقط. إن كنت لا تتقبل النقد فلا تكتب. فالنقد والإبداع متكاملان متلازمان. وإن كنت تكتب لربح مادي فلا تكتب، وان كنت تكتب لتشتهر فلا تكتب، الكتابة موهبة تفرض نفسها في كل الظروف تمارسها بشغف تمنحها بغير حساب لأنك بها تمارس وجودك الحقيقي.
حاورها س.ر