سجلت ولاية عنابة، خلال الفترة الممتدة من سنة 2018 إلى اليوم، ثمانية حوادث غرق مأساوية أودت بحياة 12 شخصًا، فيما لا يزال سبعة آخرون في عداد المفقودين.
كما شهد الساحل العنابي غرق ثماني سفن كبيرة خلفت خسائر مادية معتبرة وأثرت على نشاط الصيد البحري بالمنطقة. هذه الأرقام دفعت السلطات المحلية إلى دق ناقوس الخطر، وإطلاق سلسلة من المبادرات التوعوية والتكوينية الهادفة إلى تعزيز ثقافة السلامة البحرية، وحماية الأرواح والممتلكات، والحفاظ على استدامة الموارد المائية. وفي هذا الإطار، نظمت مديرية الصيد البحري وتربية المائيات لولاية عنابة، أمس، يومًا تحسيسيًا بميناء الصيد البحري، بمشاركة واسعة من ممثلين عن المديرية العامة للصيد البحري وتربية المائيات، وطلبة مدرسة التكوين التقني للصيد البحري بالقل، إلى جانب الحماية المدنية وحرس السواحل وأمن الحدود، فضلًا عن جمعية مهنيي الصيد البحري، والصندوق الجهوي للتعاون الفلاحي، والمعهد التكنولوجي للصيد البحري. وتميز هذا اليوم بتنظيم مناورات عملية ميدانية شملت محاكاة حريق شب على متن سفينة وعملية إنقاذ غريق في عرض البحر، وقد أتاحت هذه التمارين للمشاركين من طلبة ومتدربين ومهنيين فرصة اختبار جاهزيتهم وتطبيق المهارات النظرية المكتسبة في ظروف شبه واقعية، تحت إشراف خبراء مختصين في الإنقاذ والسلامة البحرية. وأبرزت هذه المناورات التنسيق العالي بين مختلف الأجهزة المتدخلة، مثل الحماية المدنية وحرس السواحل، وهو ما يعكس مستوى الجاهزية الذي وصلت إليه السلطات المحلية في التعامل مع الطوارئ البحرية. إلى جانب الجانب التطبيقي، احتضن البرنامج جلسات توعوية ومداخلات تقنية تناولت أساليب الوقاية من الحوادث البحرية وطرق التدخل السريع أثناء الأزمات، إضافة إلى أهمية الالتزام بالنشرات الجوية قبل الإبحار، وإجراء الصيانة الدورية للمعدات والسفن، وارتداء سترات النجاة كإجراء إلزامي يضمن السلامة أثناء العمل في البحر. كما تم التطرق إلى المخاطر المرتبطة بالصيد غير القانوني وتجاوز الحمولة، وهي سلوكيات تساهم بشكل مباشر في وقوع العديد من الحوادث البحرية.وفي تصريح خاص، أكد رمـيتة نور الدين، مدير الصيد البحري وتربية المائيات لولاية عنابة، أن هذه المبادرة تندرج ضمن البرنامج الوطني للأيام التحسيسية حول السلامة البحرية، مشيرًا إلى أن اختيار عنابة لتنظيم هذا الحدث لم يكن اعتباطيًا، فهي من أبرز الولايات الساحلية في الجزائر، ويُعد ميناؤها من أكبر الموانئ الوطنية، إذ يحتل المرتبة الثانية من حيث عدد وحدات الصيد والإنتاج السمكي. وأوضح رمـيتة أن ” الوقاية من مخاطر البحر مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، من سلطات ومهنيين ومجتمع مدني”، مضيفًا أن “الأمن البحري ليس مجرد مجموعة من الإجراءات التقنية، بل هو ثقافة وسلوك يومي يجب أن يتجذر لدى كل من يركب البحر، حفاظًا على الأرواح والممتلكات والثروة البحرية كذلك.”
واختتم اليوم التحسيسي بالتأكيد على ضرورة استمرار حملات التوعية والتكوين الميداني، لما لها من أثر مباشر في تقليص حوادث الغرق وتحسين مستوى الاحترافية لدى الصيادين والبحارة. كما تمت الدعوة إلى تعزيز التعاون بين المؤسسات التكوينية والهيئات الأمنية، وإدماج مفاهيم السلامة والاستدامة البيئية في مناهج التعليم والتدريب البحري. وأكد المشاركون أن ولاية عنابة، بتاريخها البحري العريق ومينائها الحيوي، قادرة على أن تكون نموذجًا وطنيًا في مجال الأمن البحري والتوعية المستدامة، خاصة إذا تواصلت الجهود بنفس الوتيرة والتنسيق. فسلامة البحر – كما شدد المتدخلون – ليست مسؤولية فردية فحسب، بل التزام جماعي يعكس وعي المجتمع وحرصه على حماية ثرواته وحياته.
ريم دلالو


