الأربعاء 22 أكتوبر 2025
أخبار الشرق

الأسلحة البيضاء.. الكلاب المفترسة والتفاخر بالجريمة حان الوقت لاستئصال هذه الأورام

تشهد خلال السنوات الأخيرة أغلب ولايات الوطن ارتفاعًا مقلقًا في عدد قضايا الإجرام، أبطالها منحرفون، معظمهم من ذوي السوابق العدلية، زرعوا الرعب في قلوب المواطنين، وباتوا يفرضون منطقهم الخاص داخل الأحياء، رغم الحملات المتكررة التي تشنها مصالح الأمن من شرطة ودرك وطني، والتي تسفر في كل مرة عن توقيفات بالجملة، لكن دون أن ينعكس ذلك بشكل فعلي على استقرار الوضع الأمني.

لقد باتت مظاهر الجريمة جزءًا من الحياة اليومية في بعض الأحياء، حيث لا يكاد يمر يوم دون تسجيل حادثة اعتداء، أو شجار عنيف، أو تحرش، أو سرقة، وحتى جرائم قتل أحيانًا، ما خلق مناخًا من التوتر والقلق الدائمين لدى المواطنين، الذين فقدوا الإحساس بالأمن، وراحوا يطالبون بتدخلات أكثر صرامة وحزمًا.

عصابات الأحياء.. سلاح.. عنف ورغبة في السيطرة

تعيش مختلف الأحياء الشعبية على وقع تصاعد الجريمة المنظمة، وسط تنامي ظاهرة “عصابات الأحياء”، التي باتت تشكل خطرًا حقيقيًا على النسيج الاجتماعي، وتُدخل الرعب إلى قلب المجتمع، خاصة حين تتحول الخلافات البسيطة إلى معارك دموية، يُستخدم فيها كل ما هو متاح من وسائل عنف: من الأسلحة البيضاء إلى الكلاب المفترسة والسيوف، بل وحتى بنادق الصيد، في مشاهد أشبه بحروب الشوارع، تقوّض الإحساس بالأمان، وتحوّل الحي إلى ساحة مواجهة مفتوحة، لا تحكمها إلا شريعة الغاب.

وما يزيد الطين بلة هو صغر سن المنخرطين في هذه العصابات، فغالبًا ما يكونون شبابًا في مقتبل العمر، بعضهم تلاميذ سابقون انقطعوا عن الدراسة مبكرًا، وتحوّلوا إلى مشاريع مجرمين بسبب عوامل متعددة، منها الفقر، التفكك الأسري، البطالة، غياب دور الآباء، وافتقاد القدوة في المحيط.

شباب يستعينون بالكلاب المفترسة والسيوف وبنادق الصيد خلال المشاجرات

المثير للقلق أن العديد من هذه العصابات باتت تستعرض عضلاتها علنًا عبر مقاطع فيديو تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر فيها مشاجرات دموية وأسلحة متنوعة، وسط غياب أي وازع أخلاقي أو خوف من العقاب. وقد تحول امتلاك كلب مفترس أو سيف حاد إلى وسيلة لـ”الترهيب”، في سلوكيات دخيلة على المجتمع الجزائري، تنذر بتحولات خطيرة في تركيبة العلاقات الاجتماعية داخل الأحياء.

انحراف مبكر.. و”بطولة مزيفة” على مواقع التواصل الاجتماعي

باتت وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل خطير، منصة لترويج “البطولة المزيفة”، حيث يُظهر العديد من المنحرفين سلوكياتهم العدوانية بفخر، من خلال نشر فيديوهات توثق مشاجراتهم واستعراضهم للأسلحة وحتى تحديهم المباشر للسلطات، وهو ما يسهم في تطبيع العنف، بل وجعله محل إعجاب وتقليد، خاصة من طرف المراهقين الباحثين عن “الهيبة” بأي ثمن، في ظل غياب رقابة أسرية وتربوية فعالة.

إن هذه السلوكيات تنذر بتحول جذري في بنية القيم داخل المجتمع، حيث يتم استبدال الاحترام والتعاون بالتحدي والاستعراض، وتصبح القوة معيار التفوق، لا العلم أو الأخلاق أو العمل.

وفي هذا السياق، ورغم التوقيفات الأمنية المتكررة، إلا أن العقوبات في كثير من الحالات تبقى غير كافية لردع المتورطين، إما بسبب ثغرات قانونية أو سهولة الخروج بعد قضاء فترات قصيرة من الحبس، مما يفتح المجال أمام هؤلاء للعودة إلى الشارع بسرعة ومواصلة نشاطاتهم الإجرامية.

ومن هذا المنطلق، يرى العديد من الخبراء أن مراجعة المنظومة القانونية باتت ضرورية، عبر استحداث نصوص قانونية صارمة مخصصة لجرائم العصابات وحمل الأسلحة غير المرخصة وترويع المواطنين، مع تسريع المحاكمات وتفعيل العقوبات البديلة والوقائية في نفس الوقت، من أجل تحجيم الظاهرة من جذورها.

المجتمع شريك في محاربة الجريمة

من جهة أخرى، فإن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الدولة وأجهزتها، بل المجتمع بأسره معني بالتصدي لهذا الانحراف الخطير، فالصمت والتجاهل، بل وأحيانًا التواطؤ، كلها عوامل تغذي الجريمة وتمنح المنحرفين فرصة للتمدد والسيطرة. لذلك، فإن ثقافة التبليغ يجب أن تكرس كمبدأ أساسي في السلوك المدني دون خوف أو تردد، لأن الحفاظ على الأمن مسؤولية جماعية.

وفي هذا السياق، يصبح من المهم تفعيل دور الجمعيات المحلية، والنوادي الرياضية، والمراكز الثقافية، ومؤسسات التكوين المهني، التي يمكنها أن توفر فضاءات بديلة وآمنة للشباب، وتعيد لهم الثقة بأن النجاح لا يمر عبر القوة أو العنف، بل عبر التكوين والجهد والعمل الشريف.

ضرورة تدخل شامل لمعالجة الأسباب العميقة

الجريمة ليست ظاهرة معزولة، بل هي نتيجة تراكمات واختلالات اجتماعية عميقة، لذا فإن التصدي لها لا يكون فقط عبر القوة الأمنية، بل أيضًا من خلال إصلاحات اجتماعية واسعة تشمل التعليم، والإعلام، والعدالة الاجتماعية، والتنمية المحلية، وتوفير فرص العمل والسكن اللائق والرعاية النفسية، خاصة في المناطق الهشة التي تعتبر بؤرًا خصبة للجريمة.

إن الوضع الراهن يتطلب تضافر جهود الجميع، من سلطات أمنية وقضائية، ومجتمع مدني، ومواطنين، من أجل ضمان أمن الأحياء، وحماية الشباب من مستنقعات الانحراف، فالجريمة لا تولد من فراغ، ومواجهتها لا تكون فقط بالقوة، بل أيضًا بالحكمة والمعالجة العميقة لأسبابها.

ريم دلالو

مواضيع ذات صلة

تنظيم خرجات منزلية للتكفل بالمرضى

akhbarachark

رئيس دائرة الحجار يشدد على تكثيف إجراءات الوقاية وتحسين الإطار المعيشي

akhbarachark

الإطاحة بشبكة تهريب الأشخاص إلى أوروبا باستعمال “الدوبلة”

akhbarachark