الجمعة 26 ديسمبر 2025
أخبار الشرق

رِيمَا وَالهَاتِف

رِيمَا… رِيمَا تِلْمِيذَةٌ مَوْهُوبَةٌ، وَأَقَلُّ مَا يُقَالُ عَنْهَا أَنَّهَا مُجْتَهِدَةٌ…

رِيمَا فَتَاةٌ فِي العَاشِرَةِ مِنْ عُمْرِهَا، تَهْوَى القِرَاءَةَ وَتُحِبُّ مُطَالَعَةَ الكُتُبِ وَالقِصَصِ المُصَوَّرَةِ.

مُنْذُ الصِّغَرِ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ أُخْتُهَا الَّتِي تَكْبُرُهَا بِعَامَيْنِ وَنِصْفٍ فَقَطْ، كَانَتِ الأُخْتَانِ تَجْمَعَانِ مُدَّخَرَاتِهِمَا الشَّهْرِيَّةَ، وَ َحْيَانًا السَّنَوِيَّةَ، وَتَتَشَارَكَانِ لاقْتِنَاءِ الكُتُبِ الَّتِي كَانَتْ تُعْجِبُهُنَّ، وَلَكِنْ عَلَى حَسَبِ تَوَفُّرِهَا فِي الأَسْوَاقِ.

وَهَذَا لِأَنَّ وَالِدَهُمَا كَانَ دَخْلُهُ أَقَلَّ مِنَ المُتَوَسِّطِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَحْمَدُ اللهَ فِي كُلِّ لُقْمَةٍ حَلالٍ يُدْخِلُهَا إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ مَسَاءً وَهُوَ مُرْتَاحُ البَالِ.

بِمَا أَنَّ رِيمَا انْتَقَلَتْ إِلَى الصَّفِّ السَّابِعِ، هَذَا يَعْنِي أَنَّهَا سَوْفَ تَبْتَعِدُ قَلِيلًا عَنِ البَيْتِ، وَلِأَنَّ الأَوْضَاعَ فِي سُورِيَا بَاتَتْ وَلَازَالَتْ مُتَدَهْوِرَةً وَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ، قَلِقَ وَالِدُهَا عَلَيْهَا بِطَبِيعَةِ الحَالِ، وَقَرَّرَ بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ رَاتِبَهُ ضَعِيفٌ، أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا هَاتِفًا وَشَرِيحَةً لِلتَّوَاصُلِ مَعَهَا.

وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِأَنَّ هَذَا الهَاتِفَ سَوْفَ يُقَلِبُ حَيَاةَ رِيمَا رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ، وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ التَّلَامِيذِ فِي تِلْكَ المَدْرَسَةِ كَانُوا يَمْلِكُونَ هَوَاتِفَ ذَكِيَّةً بِالمُقَارَنَةِ مَعَ هَاتِفِ رِيمَا النَّقَّالِ. وَلِهَذَا السَّبَبِ، وَمَعَ مُرُورِ الأَيَّامِ عَلَيْهَا فِي تِلْكَ المَدْرَسَةِ، بَدَأَتْ حَالَتُهَا النَّفْسِيَّةُ بِالتَّرَاجُعِ شَيْئًا فَشَيْئًا، لِدَرَجَةِ أَنَّ وَالِدَتَهَا قَدْ لَاحَظَتْ ذَلِكَ، وَقَرَّرَتِ التَّشَاوُرَ مَعَ وَالِدِهَا لِأَخْذِهَا إِلَى أَقْرَبِ طَبِيبٍ نَفْسِيٍّ فِي المِنْطَقَةِ.

وَمَعَ أَوَّلِ نَظْرَةٍ مِنَ الطَّبِيبِ لِعَيْنَيْ رِيمَا الحَزِينَتَيْنِ بِسَبَبِ التَّنَمُّرِ وَالضَّحِكِ وَالسُّخْرِيَةِ مِنْهَا، نَطَقَ الطَّبِيبُ قَائِلًا:

آآه

يَا سَيِّدَتِي… ابْنَتُكِ قَدْ دَخَلَتْ فِي حَالَةٍ نَفْسِيَّةٍ جِدُّ صَعْبَةٍ، وَلَكِنْ بِإِذْنِ اللهِ سَوْفَ أُحَاوِلُ مَعَهَا قَدْرَ الإِمْكَانِ، لَعَلَّ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ لِي يَدٌ فِي شِفَائِهَا مِنْ بَعْدِ قُدْرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لأَنَّ السَّعْيَ وَالتَّوَكُّلَ عَلَى الخَالِقِ مِنْ أَسْبَابِ الفَرَجِ.

فَرَدَّتْ عَلَيْهِ وَالِدَةُ رِيمَا :

حَسَنٌ، يَا دُكْتُورُ

بِإِذْنِ اللهِ… بِإِذْنِ اللهِ سَوْفَ تَشْفَى

وَفِعْلًا، الحَمْدُ لِلَّهِ، مَعَ مُرُورِ الأَيَّامِ، بَدَأَتْ رِيمَا بِالتَّحَسُّنِ، وَأَصْبَحَتْ رِيمَا الَّتِي لا تَتَنَازَلُ عَنِ المَرْتَبَةِ الأُولَى بِأَيِّ ثَمَنٍ… رِيمَا الَّتِي كَانَتْ دِرَاسَتُهَا أَغْلَى مِنْ أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ… رِيمَا الَّتِي كَانَتْ وَلَازَالَتْ بَارَّةً بِوَالِدَيْهَا، مُحْتَرِمَةً لِجِيرَانِهَا، وَالَّتِي كَانَ يُضْرَبُ بِهَا المَثَلُ فِي أَخْلَاقِهَا.

فَرِحَتْ أُمُّهَا كَثِيرًا، وَسَجَدَتْ خَاشِعَةً لِلشَّافِي المُعَافِي، قَائِلَةً :

الحَمْدُ لَكَ يَا رَبِّ

الحَمْدُ لِلَّذِي أَخْرَجَ ابْنَتِي حَبِيبَتِي وَقُرَّةَ عَيْنِي مِنْ مِحْنَتِهَا، وَكَتَبَ لَهَا الفَرَحَ وَالسَّعَادَةَ بَعْدَ عَنَاءِ وَشَقَاءِ.

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِيَدِهِ اليُسْرُ مِنْ بَعْدِ العُسْرِ، وَبِيَدِهِ مَفَاتِيحُ الفَرَجِ

وَشَاءَ اللهُ، بَعْدَ هَذِهِ الكَلِمَاتِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ قَلْبٍ سَلِيمٍ، أَنْ يَرْزُقَ وَالِدَهُمَا بِزِيَادَةٍ فِي الرَّاتِبِ وَتَرْقِيَةٍ فِي مَنْصِبِهِ. وَبِهَذَا، قَدْ أَدْخَلَ اللهُ السُّرُورَ عَلَى قَلْبِ هَذَا الأَبِ الَّذِي كَرَّسَ مُعْظَمَ حَيَاتِهِ، بَلْ دَعْنَا نَقُلْ كُلَّهَا، لِكَيْ يُؤَمِّنَ حَيَاةً كَرِيمَةً لِأُسْرَتِهِ الصَّغِيرَةِ. فَرِحَ فَرْحَةً كَبِيرَةً وَحَمِدَ اللهَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ.

وَ َمَّا سَمِعَتْ رِيمَا الخَبَرَ مِنْ أُمِّهَا، ذَهَبَتْ مُسْرِعَةً لِكَيْ تُخْبِرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا هَاتِفًا ذَكِيًّا مِثْلَ زُمَلَائِهَا فِي المَدْرَسَةِ.

فِي بَدَايَةِ الأَمْرِ، رَفَضَ وَالِدُهَا الفِكْرَةَ، وَهُنَا شَعَرَتْ رِيمَا بِالحُزْنِ الشَّدِيدِ، ثُمَّ قَالَتْ لِوَالِدِهَا:

إِنِّي لا أُرِيدُ هَاتِفًا عَادِيًّا لا يَسْمَحُ لِي إِلَّا بِتَلَقِّي المُكَالَمَاتِ وَلَعِبِ الدُّودَةِ وَإِجْرَاءِ بَعْضِ العَمَلِيَّاتِ الحِسَابِيَّةِ.

بَيْنَمَا زُمَلَائِي فِي الصَّفِّ يَمْلِكُونَ هَوَاتِفَ ذَكِيَّةً… هَوَاتِفَ تَسْتَطِيعُ وَصْلَهَا بِشَبَكَةِ الإنترنت، وَتَسْتَطِيعُ لَعِبَ أَيِّ لُعْبَةٍ تُرِيدُهَا مِنْ خِلَالِهِ، كَمَا أَنَّهُ يَحْتَوِي عَلَى العَدِيدِ مِنَ التَّطْبِيقَاتِ الأُخْرَى الَّتِي حَتْمًا سَوْفَ تُفِيدُنِي فِي دِرَاسَتِي.

وَفِي هَذِهِ اللَّحَظَاتِ، عِنْدَمَا رَأَى الأَبُ أَنَّ ابْنَتَهُ رِيمَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَحْصُلَ عَلَى عَلَامَاتٍ إِضَافِيَّةٍ جَيِّدَةٍ، وَكَذَلِكَ سَتَتَحَسَّنُ فِي دِرَاسَتِهَا، خَاطَبَهَا قَائِلًا:

أَظُنُّ أَنَّكِ ذَكَرْتِ شَيْئًا عَنِ الدِّرَاسَةِ بِخُصُوصِ الهَاتِفِ النَّقَّالِ، أَقْصِدُ الذَّكِيَّ أَوْ مَا شَابَهَ ذَلِكَ؟

فَرَدَّتْ عَلَيْهِ مُتَحَمِّسَةً : نَعَمْ يَا أَبِي… صَحِيحٌ.

فَقَالَ الأَبُ مُتَرَدِّدًا : حَسَنٌ

تأليف: الكاتب والشاعر أحمد قروط من ولاية سكيكدة

مواضيع ذات صلة

عنابة تحيي الذاكرة الأكاديمية والثقافية للأديب الكبير الراحل شريبط أحمد شريبط

akhbarachark

حفل افتتاح مميز للطبعة 24 لـ أيام عنابة للفيلم القصير الهاوي والذكاء الاصطناعي

akhbarachark

وزيرة الثقافة والفنون تطلق التنفيذ الفوري للرؤية الثقافية الجديدة لقسنطينة

akhbarachark