في حضور يُعدّ إنجازًا نوعيًا للسينما الجزائرية، أُدرج فيلم “رقية” للمخرج الجزائري يانيس كوسيم ضمن البرمجة الرسمية لـقسم “أسبوع النقاد” في مهرجان البندقية السينمائي الدولي في دورته الـ82 لسنة 2025. ويُعتبر هذا القسم من أبرز الأقسام الموازية التي تهتم باكتشاف الأصوات السينمائية الجديدة من مختلف أنحاء العالم، ويمثل منصة لإبراز الأفلام الأولى والثانية لمخرجيها.
رؤية سينمائية مستوحاة من الذاكرة والصدمة
يتناول فيلم “رقية” قصة رجل يُدعى أحمد يفقد ذاكرته إثر حادث سير سنة 1993، ليعود إلى قريته دون أن يتعرف إلى عائلته أو ماضيه. تدور أحداث الفيلم في أجواء كابوسية، حيث يبدأ البطل برؤية زوار ليليين يتحدثون بلغة غامضة، في نوع من الانزلاق نحو اللاوعي الجمعي. بالتوازي، يظهر راهب عجوز يعاني من الزهايمر، ما يمنح الفيلم بعدًا تأمليًا عن النسيان والذاكرة والهويات المتآكلة في سياق الجزائر العميقة.
يانيس كوسيم.. صوت سينمائي مستقل
ينتمي المخرج يانيس كوسيم إلى جيل السينمائيين الجزائريين الذين اختاروا العمل بإمكانات محدودة، دون التفريط في الطموح الفني. بعد نجاحه في أفلام قصيرة مثل “Khti” و”Khouya”، يعُدّ “رقية” أول تجربة طويلة له في الإخراج. ويُعرف كوسيم بتأسيسه مبادرة “Plateau19” لدعم السينما المستقلة، كما عمل على تطوير مشروعه في منصات دولية، من بينها Qumra التابعة لمعهد الدوحة للأفلام، ما سمح للفيلم بالحصول على دعم إنتاجي من الجزائر وفرنسا وقطر والمملكة العربية السعودية.
نقلة نوعية للسينما الجزائرية
يمثل اختيار فيلم “رقية” لمهرجان البندقية، وهو أحد أعرق التظاهرات السينمائية في العالم، اعترافًا دوليًا بجودة الرؤية الفنية للمخرج، وبالتحول التدريجي للسينما الجزائرية نحو الإنتاجات المستقلة ذات العمق الإنساني والرمزي. كما يعكس هذا الحضور حيوية المشهد السينمائي الوطني، رغم محدودية التمويل والإنتاج الرسمي، ويعيد إلى الأذهان طموحات جيل جديد يسعى لإعادة الجزائر إلى الخارطة السينمائية العالمية.
فيلم عن الصمت.. عن النسيان.. عن الجزائر
يحمل “رقية” بعدًا فلسفيًا ووجوديًا، حيث لا يعالج فقط موضوع فقدان الذاكرة بل يسائل واقع الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، من خلال رمزية الجرح الفردي الذي يعكس جرحًا جماعيًا. إنه فيلم عن النسيان القسري، عن الخوف الكامن، عن الأجساد التي نجت لكنها لا تزال تبحث عن الحقيقة في متاهة الأسى.
ق.ث
