تحيي الجزائر اليوم الوطني للشهيد، الذي يعتبر مناسبة وطنية تحمل في طياتها معاني التضحية والفداء، وتؤكد على وفاء الجزائريين لرسالة الأبطال الذين ضحوا بحياتهم من أجل استقلال الوطن. في كل عام، يكون هذا اليوم محطة للتأمل في مسار النضال الطويل والتضحيات الجسام التي قدمها أبناء الجزائر على مدار 132 سنة من الاستعمار، واستلهام العبر من تلك المسيرة الحافلة بالعطاء. رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، شدد في العديد من المناسبات على أن الشهداء هم القدوة والمثال، وهم مصدر الإلهام للأجيال المتعاقبة في مسيرة بناء الجزائر الجديدة، مضيفا أن صون الذاكرة الوطنية هو واجب مقدس لا يقبل المساومة، وأن قيمة الشهداء لا تقدر بأي تعويض مادي، بل تظل مرتبطة بقيمهم الخالدة وبإرثهم النضالي الذي يشكل حجر الأساس في بناء الدولة الوطنية القوية والمستقلة. اليوم الوطني للشهيد لم يكن مجرد تاريخ تم اختياره اعتباطيا، بل جاء كثمرة لنضالات كبيرة، حيث كان آخرها انعقاد ندوة وطنية بقصر الأمم سنة 1989، والتي أقر خلالها يوم 18 فبراير موعدا رسميا للاحتفاء بالشهداء. وقد اقترن هذا التاريخ بمحطات بارزة في الكفاح الجزائري، من بينها تأسيس المنظمة الخاصة في فبراير 1947، وهي اللبنة الأولى في خيار الكفاح المسلح الذي تُوج بإعلان الثورة التحريرية في أول نوفمبر 1954. كما شهد 18 فيفري 1957 صدور قرار أممي يعترف بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، وهو ما شكل دعما سياسيا دوليا لنضال الجزائريين ضد الاستعمار. غير أن شهر فيفري ليس فقط شاهدا على القرارات الحاسمة في مسار الثورة، بل كان أيضا شهرا ملطخا بالدماء، حيث ارتكبت فرنسا الاستعمارية خلاله جرائم بشعة، منها التفجيرات النووية في رقان يوم 13 فيفري 1960، التي خلفت كوارث إنسانية وبيئية ما تزال آثارها قائمة، وجريمة الإبادة الجماعية في ساقية سيدي يوسف يوم 8 فيفري 1958، إضافة إلى تنفيذ مخطط “موريس شال” سنة 1959، الذي حول أجزاء واسعة من الجزائر إلى مناطق محظورة، مزروعة بالألغام والأسلاك الشائكة. و بعد الاستقلال، ظل شهر فيفري شاهدا على محطات سيادية كبرى، إذ تم استرجاع القاعدة البحرية “المرسى الكبير” في 2 فيفري 1968، كما تم في 24 فيفري 1971 الإعلان عن تأميم المحروقات واسترجاع الثروة النفطية، في خطوة عززت سيادة الجزائر على مواردها الاقتصادية ورسخت نهج الاستقلال الوطني.
اليوم، وفي ظل بناء جزائر جديدة، يبقى اليوم الوطني للشهيد مناسبة متجددة للتأكيد على ضرورة المحافظة على الأمانة التاريخية، وتعزيز قيم الوطنية والوفاء لتضحيات الأجداد، في سبيل ترسيخ مستقبل يليق بمكانة الجزائر وتاريخها العريق.
ر.م