كل حالة ولها أسبابها… (أقص قصة جميلة وهي مهمة ومفيدة).
كان بيت “فورد” مخترع المحرك الأقل ضجيجا يقع في الطابق المقابل لناصية الطريق، وقتذاك محركات السيارات أكثر ضجيجا، تربك نومه، ذات ليلة تحمله أمه لسريره، سألها لماذا لا يخترعون محركات أقل ضوضاء؟ فأجابته:لينم ابني وعند ما يكبر يخترع لنا محركا بلا ضجيج مزعج.. كبر الطفل وكبر معه حلمه حتى صار حقيقة.
إن الذين فشلوا وهم يبدؤون المحاولة، لم نلتفت لمحاولتهم، ولعطائهم الفكري، وشعروا بالإحباط واليأس، وهو أشد عداوة للموهبة، الإحباط، مما كانوا ينتظرون من محيطهم والمقربين لهم.. هي فقط التفاتة وتوجيه وتحفيز… ما وجدوا ذلك، ولا حتى قليلا من الرعاية.
كما يمكن تصنيف هؤلاء بأن استعدادهم للفشل أقرب منه للنجاح فيكتفوا بأنهم جربوا.. وهم أصحاب فكرة، المهم المشاركة فابتعدوا ورضوا بالانسحاب.
بينما الذين واصلوا بالمثابرة، واجتهدوا وكدوا وسهروا ونشروا إصدارا لهم ثم توقفوا ليستردوا أنفاسهم ويجددوا نبض إبداعهم، أخذتهم الراحة إلى مكامن الكسل… إن الأدب ليس كتابة وكفى أو قراءة وكفى… الأدب تعبير وانفعال وتفاعل، وتطوير لأدواته، ولغته وأسلوبه، ومن لم يجدد فالأكيد سوف يندثر ويتبدد.. ولعل البعض منهم نظر إلى عمله بعين فيها سخرية، وأخرى كلها ريبة وتشكيك.
إن أصحاب الأحكام المسبقة يشككون دون دراية ولا إطلاع، والكتابة تحتاج اهتماما وتشجيعا وتوجيها.. ذلك حتى تنمو الموهبة وتكبر، وصقلها يدفع بها نحو الأمام.
والذين يواصلون هم أصحاب الإرادة والإصرار، والإيمان بقدراتهم.. هم أصحاب موهبة اجتهدوا في تنميتها وتطويرها، والتعبير عنها وأثروا رصيدهم واستفادوا من كل الخبرات والتجارب، كبروا بما يكتبون ويبدعون، يعايشون العصر ويواكبون الازدهار الثقافي، يتفاعلون مع كتابات غيرهم ويتابعون نشاطهم دون كلل، ويتجاوزون بصبر وثبات كل العوائق والإحباطات، يتطلعون للغد، ولا يلتفتون للأمس إلا لتهذيب أدواتهم، مثل هؤلاء ينجحون ويتطورون وتصبح لهم مكانة ورأي وتوجيه… لكل أسبابه، ولكل إصراره أو استسلامه..
لكل حالة تشخيصها.. ويعني لكل حالة أسبابها.. كتب محمد حسنين هيكل رواية واحدة وتوقف.. لعله إن كتب رواية أخرى لتبين لنا أنه بدأ بالرقي ثم تتدحرج للسقوط فاكتفى بها مجدا وشهرة.
حتى ننجح، وحتى تكون لنا وجهة ثقافية ومدرسة ثقافية، تهتم بالمواهب وتأخذ بالمواهب الأدبية على بر الأمان، يجب أن يهتم النقاد وأصحاب الشأن بها، تحفيزها لا تثبيطها، الإيمان بها لا التشكيك في قدراتها، أيضا الإيمان بالأدب بمختلف أنماطه لأنه نتاج المدرسة الجزائرية والواقع الاجتماعي والموروث الثقافي.
وعلى المواهب أن تعي جيدا أن الكتابة تحتاج رصيدا معرفيا ولغويا وذلك لا يتأتى إلا بالمطالعة وقراءات متنوعة للمنتج الثقافي، الحضور الدوري لما تفرزه الحركة الثقافية والتفاعل معها، النهل من تجارب الآخرين والاحتكاك بهم.. وكثيرة هي العوامل المساعدة على التطور والتطوير.
بقلم : الأديبة الأستاذة وحيدة رجيمي