احتضنت الجزائر العاصمة، ندوة تاريخية وأدبية بمناسبة إحياء اليوم الوطني للشهيد المصادف لـ 18 فيفري، حيث استعرض باحثون في التاريخ وروائيون تجاربهم في توثيق الأحداث التاريخية عبر الأعمال الأدبية والتاريخية، مبرزين تضحيات الشعب الجزائري خلال الثورة التحريرية. الندوة، التي نظمتها المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار تحت عنوان “الكتابة، الذاكرة، أو كيف نمجد شهداءنا”، أكدت على أهمية نقل يوميات الثورة التحريرية بأحداثها وشخصياتها إلى الأجيال الجديدة، من أجل تعزيز الهوية الوطنية وحماية الذاكرة التاريخية من النسيان. في هذا السياق، تحدث الروائي محمد ساري عن روايته “نيران وادي عيزر”، التي تسلط الضوء على الإبادة التي تعرض لها الجزائريون بالقنابل الحارقة “النابالم” والتهجير الجماعي في السنوات الأخيرة من الثورة التحريرية، حيث استند إلى شهادات حية من سكان منطقة شرشال. وأوضح أن الرواية توثق معاناة الجزائريين جراء التعذيب والتنكيل الذي مارسته القوات الاستعمارية، إلى جانب تقديم لمحة تاريخية عن مدينة شرشال خلال الثورة وأيام الاستقلال الأولى، مستلهماً ذلك من سيرته الذاتية في هذه المدينة الساحلية.
أما المؤرخ محمد هواورة، فتناول كتابه “يمينة عوادي.. البطلة المنسية”، الذي يوثق المسار النضالي للشهيدة يمينة عوادي، زوجة الشهيد الحاج أحمد عوادي الذي استشهد عام 1957 بشرشال. وأوضح أن يمينة عوادي، المعروفة باسمها الثوري “زليخة”، كانت مسؤولة عن خلية شرشال التابعة لجبهة التحرير الوطني، وهو منصب نادراً ما أُسند لامرأة آنذاك. وأبرز أن الشهيدة نجحت في تجنيد الرجال والنساء لدعم الثورة ميدانياً، إلى أن تم اعتقالها في أكتوبر 1957، حيث تعرضت لأبشع أساليب التعذيب دون أن تستسلم، قبل أن تستشهد في مرتفعات بلدية مناصر، بينما ظل مصير جثمانها مجهولاً بعد أن قام المستعمر بإخفائه في إحدى غابات شرشال. وأكد أن كتابه اعتمد على شهادات حية، بينها شهادة ابنتها وأخرى لضابط سابق في جيش التحرير، مشيراً إلى أن الأديبة آسيا جبار كرّست لها كتاباً بعنوان “امرأة بلا قبر” تخليداً لبطولتها.
من جهته، استعرض المجاهد والكاتب أرزقي آيت ميمون مؤلفه “فجر الشجعان”، الذي يوثق أسماء الشهداء والمجاهدين خلال معركة الجزائر عام 1957، مسلطاً الضوء على الأوضاع في حي القصبة ومدينة الجزائر خلال الثورة التحريرية، مبرزاً شجاعة المقاومين الذين واجهوا آلة القمع الاستعمارية. الندوة شكلت فرصة لإبراز الدور المحوري للأدب والتاريخ في حفظ الذاكرة الوطنية، والتأكيد على أهمية استمرار توثيق تضحيات الشهداء والمجاهدين من أجل أن تظل سيرتهم مصدر إلهام للأجيال القادمة.
ر.م