ترأس أمس رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، اجتماعا لمجلس الوزراء إفتتحه بتأكيد صارم على أن زمن “الفلكلور الإعلامي” ولّى، وأن معيار النجاح بات يُقاس بمدى انعكاس القرارات على حياة المواطنين ميدانياً. وفي هذا السياق، شدّد على أن معالجة الملفات الاجتماعية الكبرى ستتم حصراً عبر تنسيق مباشر مع الوزير الأول لضمان سرعة التنفيذ ودقته، محذّراً من أي تلكؤ أو بيروقراطية قد تُفرغ القرارات من مضمونها.
أولى التعليمات استهدفت فئة الشباب العاملين في الاستيراد المصغّر الذاتي، وهي شريحة طالما واجهت عراقيل جمركية ومخاطر حجز السلع وخسارة رأسمال محدود. الرئيس أمر بتسوية نهائية لوضعهم عبر دمجهم في نشاط التجارة الخارجية المنظم ومنحهم صفة “أعوان اقتصاديين” تفتح أمامهم مظلة الامتيازات الاجتماعية والتجارية. ولضمان التطبيق السريع، كلّف الوزير الأول بتشكيل لجنة استعجالية تُعِدّ، في آجال قصيرة، دليلاً عمليا يحدّد آليات نشاط هؤلاء الشباب وقائمة المواد المسموح استيرادها بكميات محدودة، مع إلزامهم بمنظومة ضريبية وجبائية تمنع التهرب وتحافظ على توازن السوق.
وفي ملف الأمن الغذائي، احتفى الرئيس بالتقدم “الملحوظ” في توطين صناعة السكر عقب دخول وحدات إنتاج جديدة الخدمة، معتبراً ذلك مكسباً استراتيجياً لاقتصاد يقلّص تدريجياً تبعيته للاستيراد. غير أن الرئيس تبون لم يكتفِ بالإشادة، بل أمر باستحداث ديوان وطني للسكر تسند إليه مهمة ضبط الإنتاج وتغطية الطلب الداخلي واستشراف فرص التصدير، على أن يستند إلى قاعدة بيانات إحصائية دقيقة تُبلغ البنك المركزي بصورة آنية عن تدفقات العملة الصعبة.
الاجتماع توسّع ليشمل الشراكات الثنائية ذات البعد الاستثماري. ففي ما يخص التعاون الجزائري-السلوفيني، أمر الرئيس بالتحضير لاجتماع عمل يراقب تنفيذ الاتفاقات المبرمة بين رئيسي البلدين، مع تركيز على صناعة الأدوية والبحث العلمي والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى دراسة إطلاق خط بحري مباشر بين الجزائر وسلوفينيا لتعزيز التبادل التجاري وتقليص زمن شحن البضائع. وبالنسبة للشراكة الجزائرية-العُمانية، شدّد على ضرورة العناية الكاملة بالمشاريع المشتركة، خاصة في الفلاحة وصناعة السيارات عبر مشروع “هيونداي”، إلى جانب مشروع شركة نقل بحري جزائرية-عُمانية وخط ملاحي يربط الجزائر بمسقط، ما يعكس توجهاً استراتيجياً نحو توسيع قنوات التبادل في المحيطين المتوسطـي والعربي-الخليجي.
من الناحية التشريعية، حظي مشروع قانون الحالة المدنية بحيّز نقاش مفصّل، إذ وجه تبون وزير العدل إلى إثراء النص بمزيد من الدقة والعمق وتخفيف الصياغة القانونية لجعلها أكثر استجابة لانشغالات المواطنين، خصوصاً أن الجزائر قطعت أشواطاً مهمة في رقمنة قطاع الداخلية. الرئيس اعتبر أنّ الرقمنة تتطلّب صرامة أكبر لحماية السجلات المدنية من أي تلاعب، ما يستدعي آليات تحقق متقدمة وضمانات تشريعية رادعة.
ولأن موسم الاصطياف على الأبواب، ناقش المجلس مشروع قانون الاستعمال والاستغلال السياحي للشواطئ. حيث شدّد الرئيس على أن نجاح الموسم يتوقف على تناغم دوريات السياحة والداخلية والسلطات المحلية، مع تحميل كل طرف مسؤوليته كاملة لضمان فضاءات آمنة وخدمات لائقة تعكس صورة سياحية تنافسية. وفي الإطار التنظيمي الدولي، وجّه تبون بتنفيذ توصيات مجموعة العمل المالي الدولية (GAFI) بحذافيرها، مؤكداً أن الجزائر حققت في السنوات الأخيرة تقدماً مشهوداً في شفافية المالية العامة واستقرار المؤشرات الاقتصادية، وهو ما توثّقه تقارير مؤسسات دولية مرموقة.واختتم الاجتماع بالمصادقة على مراسيم تتضمن تعيينات وإنهاء مهام في مناصب عليا
صالح.ب