تسعى الهيئات والإدارات العمومية المعنية بالمنظومة التجارية بولاية عنابة على غرار مثيلاتها عبر التراب الوطني على حث المواطنين والمتعاملين الاقتصاديين على حد السواء إلى التوجه نحو استعمال الدفع الالكتروني عن طريق الحسابات البريدية والبنكية، كبديل عن استعمال الأوراق التجارية في المعاملات وتسديد المستحقات، لما له من انعكاسات اقتصادية هامة على المواطن والمؤسسات المالية والمتعاملين الاقتصاديين على حد السواء، إضافة إلى الإحصاء الحقيقي للمعاملات التجارية وبالتالي الدقة في تحديد الضرائب والحركة التجارية، الأمر الذي يجعل التوجه لهذه الطريقة في التسديد حتمية يجب على المواطن استيعابها والعمل بها.
ومن جهتها الوصايات المركزية المعنية وتنفيذا لبرامج وخطط الحكومة المتعلقة بالمعاملات المالية تسعى إلى توفير كافة المستلزمات لتوسيع هذا الخيار المالي، وتعميم استعماله على أكبر فئات المجتمع وعبر أغلب المصالح مع حرصها على التطوير المتواصل واستدراك النقائص لضمان مواكبة هذه الحتمية الاقتصادية،
أكثر من 250 تاجرا من بينهم 48 “سوبيرات” ومؤسسات عمومية يوفرون خدمة الدفع الإلكتروني بعنابة
كشفت مصادر “أخبار الشرق” أن كافة الفضاءات التجارية ” السوبيرات” وعددها 48 الموزعة عبر بلديات الولاية توفر خدمة الدفع الإلكتروني مباشرة من الحسابات البريدية والبنكية لزبائنها من مجموع أكثر من 250 تاجرا مستفيدا من الآلة الخاصة بها والموفرة من قبل مصالح بريد الجزائر بأعداد معتبرة تسلم لطالبيها من التجار في مختلف النشاطات التجارية خاصة ذات الانتشار الواسع على غرار المطاعم، محلات المواد الغذائية، المساحات التجارية ومحالات بيع الملابس إلى جانب الصيدليات، والعيادات الخاصة، وأغلب المؤسسات العمومية المقدمة للخدمات على غرار الجزائرية للمياه وسونلغاز، اتصالات الجزائر، والمتعامل الهاتفي موبيليس التي سخرت خدمات للشحن وتسديد الفواتير عن طريق الحسابات البريدية الجارية والبنكية، جامعة التكوين المتواصل، الشركة الوطنية للسكة الحديدة، المركز الوطني للسجل التجاري، وكالة عدل مؤسسة “جاست إيمو” ديوان الترقية والتسيير العقاري وغيرها من المصالح أو المؤسسات العمومية، إلا أن لغة الأرقام توضح أن عدد مستعمليها يعتبر ضئيلا مقارنة بعدد الزبائن أو المستأجرين أو المكتتبين مقارنة بعددهم الإجمالي، فتجد أن المواطن يفضل التسديد عن طريق النقد، رغم أن الطريقة الإلكترونية أسهل وتجعل يتحرك بحرية وأمان أكثر وما عليه فقط هو ترك بعض مدخراته أو راتبه أو دخله في حسابه البنكي أو البريدي.
هذه إيجابيات استعمال الدفع الالكتروني بالبطاقة الذهبية أو البنكية للاقتصاد الوطني والمواطن والأمن الشخصي
يمكن التسديد الالكتروني من تحقيق مجموعة من الإيجابيات التي قد يتهاون الكثيرون في أخذها بعين الاعتبار، حيث أنها تعد من أكثر الطرق الآمنة بحكم ما يفرض من سرية وتأمين من قبل بريد الجزائر والبنوك لحماية خصوصية الزبائن، ومن الجانب الشخصي فهي تجعل المواطن في معزل عن جرائم السرقة والسطو والخطف التي تسجل المصالح الأمنية العشرات منها يوميا بسبب حمل المواطنين لمبالغ مختلفة من النقد، كما تعتبر من الوسائل ذات الأكثر تركا لأثر للمعاملة التجارية بين الزبون والتاجر أو المؤسسة في حالة حدوث أية نزاعات تجارية، وعلى الصعيد التجاري والاقتصادي فإن توجه المواطن إلى الدفع الالكتروني يمكن من محاربة التصريحات الكاذبة ورقمنة المعاملات التجارية وبالتالي يمكن أجهزة الدولة الرقابية من تتبع مسار التموين والحصول على إحصائيات دقيقة وفعلية تسهل التصدي للغش التجاري والتلاعبات المالية، مع تحديد الضرائب المقابلة لحجم النشاطات والمعاملات التجارية للمتعاملين الاقتصاديين، ومن بين أكثر الإيجابيات أيضا فإن هذه الوسيلة الرقمية للتسديد تعتبر من أكثر وسائل محاربة تبييض الأموال والكسب غير المشروع، كما يعفي استعمال الدفع الالكتروني التجار والمتعاملين الاقتصاديين من الدخول في رحلة البحث عن الفكة (الصرف) وبالتالي التخفيف من التضخم وتداول النقد.
كل هذه الايجابيات تصب في خانة تحسين القطاع الاقتصادي الوطني، إلى جانب تخفيف التضخم الحاصل والتي يعتبر حسب المختصين من أكبر أسباب تراجع قيمة العملة الوطنية، ومن زاوية أخرى فإن الدفع أو التسديد من الحسابات يعفي المواطنين من عناء الطوابير التي تشهدها بعض المؤسسات العمومية في تواريخ التسديد، ويساهم في ربح الوقت وسرعة المعاملات خاصة في ظل توجه أغلب الهيئات العمومية إلى استعماله وتحديد شبابيك خاصة بمستعمليه بل وفي بعض الهيئات يعتبر التسديد الالكتروني إلزاميا والطريقة الوحيدة للتسديد، والتي بلغت حد تسديد مستحقات الدراسة للطلبة في الجامعات ومستحقات الدراسة في المؤسسات التربوية كشهادة التعليم المتوسط والثانوي عبر الفضاءات والمنصات الرقمية المخصصة للأولياء.
التسديد الالكتروني وسيلة ناجعة لحماية الصحة العمومية من الأمراض المتنقلة بملامسة الأوراق والقطع النقدية
وفي ذات السياق فإن استعمال التحويلات الرقمية أو الدفع الالكتروني يندرج ضمن خانة حماية الصحة العمومية، من خلال تفادي استعمال الأوراق والقطع النقدية التي تعتبر من بين وسائل أو أوساط نقل الجراثيم والفيروسات نظرا لتنقلها بين أيدي العديد من الأشخاص على اختلاف حالتهم الصحية، ولعل فترة جائحة كورونا بين سنوات 2020 و2022 وما تبعها من إجراءات احترازية بالتوجه نحو الدفع الالكتروني والتي عرفت حينها إقبال معتبرا، لخير دليل على أن الاستعمال المكثف للأوراق والقطع النقدية من بين الأخطار التي تمس بالحصة العمومية وتساهم في انتشار للأمراض، خاصة في ظل انتشار بعض الظواهر في السنوات الأخيرة على غرار لجوء التجار إلى الاتفاق مع المتسولين لجلب الفكة (الصرف ) لهم، واستعمالها في معاملاتهم التجارية وتداولها تبعيا بين المواطنين، دون البحث عن تطهيرها قبل استعمالها أو البحث عن الوسط الذي جمعت أو خزنت فيه والذي قد يكون بؤرة لأوبئة أو فيروسات أو أمراض، على غرار حمى غرب النيل أو الرمد وغيرها من الأمراض، حيث تؤكد الدراسات التي أنجزت سواء بولاية عنابة أو من الهيئات المركزية وحتى في دول أخرى من العالم أن تراجع استعمال النقد خلال جائحة كورونا كان عاملات مهما في تخفيف نصبة الإصابات وحماية الأرواح.
تحايلات من بعض المتعاملين والتجار للتهرب من حجم النشاطات والضرائب والقانون بالمرصاد
وفي المقابل ورغم الجهود المبذولة من قبل المؤسسات والهيئات العمومية والتسهيلات المقدمة لمستعملي الدفع الالكتروني، إلا أن البعض من المتعاملين الاقتصاديين وخاصة من أصحاب التلاعبات والتصريحات غير الصحيحة والبيع والشراء غير المفوترة، يلجؤون إلى حيل للتظليل لتفادي استعماله، كالتصريح للزبون أو المواطن بعدم توفر آلة الدفع لديه أو التحجج بأنها معطلة أو ضعف الشبكة وصعوبة الولوج إليها، في محاولة منهم لعدم ترك آثار معاملاتهم التجارية وتظليل الهيئات الرقابية حول حجم وأرقام أعمالهم الحقيقة وما يقابلها من ضرائب ومتابعة لشبكات التموين والتحديد الدقيق لوجهة السلع أو البضائع ذات الاستهلاك الواسع، وهي الحيل التي تواجهها المصالح الرقابية سواء المتمثلة في مديرية البريد أو مصالح مديرية التجارة أو الضرائب والبنوك بإجراءات صارمة وعقوبات يفرضها القانون، ومن هنا المنطلق يتضح جليا سبب الأرقام والإحصائيات المضبوطة في العديد من دول العالم على غرار أوروبا التي لا يسمح في بعضها للمواطن بحمل ما يزيد عن 5 آلاف أورو نقدا ووجود التسديد عبر البطاقات البنكية لعمليات الشراء كالسيارات أو البضائع مرتفعة الأثمان، وهو المبدأ الذي أقرته السلطات الوطنية في البلاد في سنوات ماضية قبل أن يتم التراجع على استعماله لأسباب بقيت مجهولة رغم كل الانعكاسات الاقتصادية التي يحققها الدفع بين الحسابات الكترونيا وحماية لحقوق الطرفين.
حملات توعية وحث على استعمال الدفع الإلكتروني تمس أزيد من 500 تجار ومئات المواطنين
تبنيا لرقمنة المعاملات التجارية وتنفيذا لتعليمات الوصاية المركزية عملت مصالح مديرية البريد ومديرية التجارة وترقية الصادرات على تنظيم حملات تحسيسية وتوعوية موسعة مست أزيد من 500 تاجر ومتعامل اقتصادي في جميع النشاطات التجارية من فنادق ومطاعم ومحلات البيع وصيدليات وغيرها، وقرابة 900 مواطن في مرحلتها الأولى على أن تتواصل وتتوسع في غضون الأسابيع القادمة لشمل المزيد من المعنيين وخاصة فئة الشباب بحكم أن غالبيتهم مطلعون على كل ما يتعلق بالتكنولوجيا والشبكات الالكترونية، حيث عملت الهيئات السالفة الذكر بالتنسيق مع البنوك والمؤسسات المالية على تنظيم أيام تحسيسية ودراسية مع توعية ميدانية عبر الفضاءات والمحلات التجارية والساحات العمومية حول كيفيات الدفع الالكتروني خاصة في مقابل إحصاء آلاف الحاملين للبطاقة الذهبية الخاصة ببريد الجزائر التي تعتبر من أكبر المؤسسات التي توفر بطاقات السحب والدفع الالكتروني لزبائنها، موازاة مع تسهيلات الحصول عليها في فترة لا تتجاوز أسبوعين وتوفير القدر الكافي من آلات التسديد الرقمي والصرافات الآلية التي تتضمن إلى جانب خاصية سحب الأموال خاصيات أخرى متعلقة بالتسديد الالكتروني والشحن وإرسال الحوالات وخاصيات أخرى يتم التعريف بها من قبل المؤسسات المالية والخدماتية.
الرسوم المفروضة على الدفع الإلكتروني من أسباب العزوف ومراجعتها إجراء تحفيزي مطلوب.
وفي المقابل يرى بعض المختصين أن من بين أسباب النسب المحتشمة المسجلة في تعميم استعمال وسائل الدفع الإلكتروني رغم كل الجهود المبذولة، هو التسعيرات المفروضة على عمليات الدفع أو ما يعرف بمستحقات المؤسسات المالية على هذه المعاملات وعدم مجانيتها بالنسبة للزبائن من جهة، موازاة مع إلزام التجار أو المتعاملين الاقتصاديين في المقابل بتسديد مبالغ أخرى معينة بشكل شهري أو دوري على استعمال هذه المعاملة المالية الالكترونية، ما قد يزيد من العزوف عن تعميمها وفرضها كإلزامية، ويرى ذات المختصين أن الهيئات المعنية المركزية مطالبة بمراجعة مستحقات هذه التحويلات أو حتى تنفيذها بالمجان، ولو كمرحلة أولى لفترة زمنية معينة في إطار التحفيز على توسيع العمل بها والاعتياد عليها للتعريف المباشر والتطبيقي بمميزاتها وإيجابيتها للمواطنين، ثم التدرج في فرض مستحقاتها بمبالغ جد رمزية تمكن المؤسسات المالية من تحصيل مداخيل إضافية معقولة من خلالها تغطي تكاليف الخدمة من جهة، وتوجه المواطن للإقبال عليها من جهة أخرى لعدم ارتفاع تكاليفها ومقارنتها بحجم المكتسبات منها كربح الوقت وتفادي استعمال الأوراق والقطع النقدية.
وبين كل هذه المعطيات والبرامج المسطرة من قبل مختلف مؤسسات وهياكل الدولة في ظل التأكيد المتواصل على الرقمنة في جميع القطاعات، يبقى المواطن هو حجر الأساس في تحقيق الأهداف المسطرة سواء كان زبونا أو تاجرا أو متعاملا اقتصاديا من خلال تقبله الفكرة والسعي تدريجيا لاستعمالها ولو في المعاملات اليومية الأكثر انتشارا، ما يساهم وفق ما سبق توضيحه من إيجابيات في تطوير المنظومة المالية الوطنية وحماية الاقتصاد الوطني والصحة العمومية وأمن المواطنين، في مقابل مواصلة السلطات العمومية لتحديثها المتواصل للبرامج تطبيق الدفع الالكتروني بما يتماشى مع واقع المجتمع العنابي خصوصا والجزائري عموما.
لطفي.ع