في خضم الصراعات التي خلفتها جائحة كورونا، لا تزال تداعياتها ترخي بظلالها على عدد كبير من الطلبة الجزائريين المسجلين في تونس ضمن إطار اتفاقية 5+5، حيث وجدوا أنفسهم عالقين في مأساة مركبة حالت دون تحقيق أحلامهم العلمية. مع بدء جائحة كورونا وغلق الحدود بين الجزائر وتونس، أُجبر العديد من طلبة الدكتوراه على تعليق دراستهم بشكل قسري. ورغم أنهم تمكنوا من استكمال مشاريعهم البحثية عن بعد، إلا أن الخطوة الحاسمة المتمثلة في مناقشة الأطروحات بقيت مؤجلة حتى اليوم، مما أدى إلى إحباط واسع في صفوفهم. بعد إعادة فتح الحدود، استبشر الطلبة خيراً بفرصة استئناف دراستهم، إلا أنهم فوجئوا بموقف صادم من الجانب التونسي، الذي تعامل معهم بتهميش واضح. حيث لم يتمكن هؤلاء الطلاب من تحديد مواعيد مناقشة أطروحاتهم أو الحصول على أي دعم لوجستي لاستكمال المسار العلمي الذي استثمروا فيه سنوات من الجهد والتعب. الأزمة تفاقمت أكثر نتيجة ما يصفه الطلبة بـ”الصمت المطبق” من وزارة التعليم العالي الجزائرية، التي لم تتخذ أي خطوات حقيقية لمعالجة هذه القضية، رغم أن هؤلاء الطلبة الجزائريون يحملون آمالاً كبرى في المساهمة العلمية مستقبلاً. وفي ظل انسداد كل الأبواب، وجه هؤلاء الطلبة نداء استغاثة إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون للتدخل شخصياً وإنهاء هذه المعاناة التي باتت تهدد مستقبلهم الأكاديمي والمهني. فالأمر حسبهم يتعلق بسنوات من العمل والكفاح، تتلاشى أحلامها مع مرور الوقت دون حلول واضحة.
ممثل الطلبة ياحي عبد الرحمان يكشف:
“الجامعات التونسية تخلت عن مسؤولياتها وجمدت ملفاتنا دون سبب واضح“
في خطوة تعكس حجم المعاناة التي يعيشها طلبة الدكتوراه الجزائريون المسجلون في إطار اتفاقية التعاون الجزائرية-التونسية “5+5″، صرّح الطالب عبد الرحمان ياحي، ممثل الطلبة بالمعهد العالي لعلوم وتقنيات المياه – جامعة قابس، ل “أخبار الشرق” عن الظروف الصعبة التي يواجهها هو وزملاؤه منذ تسجيلهم وحتى اليوم، حيث أتموا حسبما أكده مشاريعهم البحثية وملفاتهم القانونية للمناقشة، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام عراقيل إدارية وتجاذبات لم تكن في الحسبان.
يتحدث عبد الرحمان ياحي عن بداية الأزمة، قائلاً: “بدأت معاناتنا مع تفشي جائحة كورونا، حيث فرضت علينا ظروف استثنائية أثرت على مسار أبحاثنا. رغم ذلك، استطعنا تجاوز العقبات وأكملنا جميع متطلبات المناقشة في الوقت المحدد. لكن المفاجأة كانت في تخلي الجامعات التونسية عن مسؤولياتها، وتحويل ملفاتنا إلى وزارة التعليم العالي التونسية دون أي إشعار مسبق، ليتم تجميدها دون سبب واضح.”
ويضيف ممثل الطلبة ياحي: “تسجيلاتنا في الدكتوراه، و تنقلاتنا بين الجزائر وتونس، وكل المصاريف كانت من أموالنا الخاصة دون أي منحة، وهو ما أثقل كاهلنا مادياً ونفسياً. ومع ذلك، لم نتوقف عن مواصلة أبحاثنا حتى أكملناها بالكامل.”. ويؤكد عبد الرحمان أن الطلبة قاموا بمراسلة وزارة التعليم العالي التونسية عدة مرات دون جدوى، ليجدوا أنفسهم مجبرين على التوجه نحو وزارة التعليم العالي الجزائرية، التي راسلوها مرات عديدة، كان آخرها بتاريخ 28 أفريل 2024. لكنهم، وفقاً لتصريحه، لم يتلقوا أي رد أو توضيح من الجهات المعنية.
كما أشار عبد الرحمان إلى أن هناك طلبة آخرين تم تسوية وضعيتهم وتمكينهم من مناقشة أطروحاتهم، وهو ما أثار تساؤلات الطلبة العالقين عن سبب عدم معاملتهم بالمثل، رغم أن ملفاتهم مكتملة ومستوفية للشروط القانونية المطلوبة. في ختام حديثه، وجّه عبد الرحمان ياحي نداءً إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قائلاً: “نحن نخبة جزائرية مهمّشة في الغربة. نطالب بتدخل سيادتكم لإنصافنا وتسهيل إجراءات مناقشتنا، على غرار زملائنا الذين تم إدماجهم. نحن أبناء الجزائر ونستحق الدعم من وطننا الأم لإنهاء هذا الملف الذي أرهقنا مادياً ومعنوياً.” في ذات السياق هذه القضية تسلط الضوء على معاناة طلبة جزائريين في الغربة، يتطلعون لإنهاء أطروحاتهم وتحقيق طموحاتهم العلمية. ومع الوقت الذي يمضي دون حلول واضحة، تبقى هذه النخبة تنتظر.
صالح.ب