شهدت سنة 2024 العديد من الأحداث التي أثرت بشكل كبير على المشهد الرياضي الجزائري، حيث تخللتها لحظات من الفخر والانتصار وأخرى من الحزن والفقدان. في بداية السنة، تعرض المنتخب الوطني الجزائري لكرة القدم لإخفاق جديد، بعد أن ودع بطولة كأس أمم إفريقيا التي أقيمت في كوت ديفوار من الدور الأول، مما أحدث خيبة أمل كبيرة في أوساط الجماهير الجزائرية. هذا الإقصاء المفاجئ أدى إلى اتخاذ قرار مفاجئ بإقالة الناخب الوطني السابق جمال بلماضي، الذي قاد الفريق لعدة إنجازات سابقة، وتعيين المدرب البوسني فلاديمير بيتكوفيتش على رأس الطاقم الفني للخضر، في محاولة لإعادة الاستقرار والعودة إلى سكة الانتصارات. ورغم هذا الإخفاق في كرة القدم، جاءت الرياضات الأخرى لتعيد البهجة والفخر للجزائريين. فقد كانت سنة 2024 نقطة تحول هامة للرياضة الجزائرية، حيث نجح الرياضيون الجزائريون في إحياء أمل الوطن في أولمبياد باريس، بعد أن تمكّنوا من الفوز بثلاث ميداليات رائعة، مما أمحى الإخفاق المدوي الذي شهدته الجزائر في أولمبياد طوكيو 2020. الميداليات التي أحرزها الرياضيون في باريس كانت لحظة تاريخية بعد سنوات من الغياب عن منصة التتويج، وجاءت لتؤكد أن الجزائر لا تزال قادرة على المنافسة في أكبر المحافل الرياضية العالمية
خروج مخيب للخضر من كأس أمم افريقيا بكوت ديفوار
سجّل المنتخب الوطني الجزائري الأول في بطولة كأس أمم إفريقيا التي جرت مطلع سنة 2024 بكوت ديفوار مشاركة مخيبة للآمال، حيث ودع البطولة من مرحلة المجموعات في خيبة جديدة بعد تلك التي تعرض لها في كأس أمم إفريقيا 2021 في الكاميرون. هذه المشاركة الثانية على التوالي التي يخفق فيها الخضر في التأهل إلى أدوار متقدمة من البطولة القارية، مما أثار الكثير من التساؤلات حول مستقبل المنتخب وتشكيلته. تكرار هذا الفشل في البطولات القارية أثار العديد من التساؤلات حول مستقبل الفريق واحتياجاته في المستقبل.
البوسني بيتكوفيتش يخلف بلماضي
خلّف الإقصاء المبكر للمنتخب الوطني الجزائري من نهائيات كأس أمم إفريقيا أزمة كبيرة داخل بيت المنتخب، حيث كانت هذه الخيبة بمثابة القشة التي قسمت ظهر العلاقة بين الاتحاد الجزائري لكرة القدم (الفاف) والناخب الوطني جمال بلماضي. فقد جاء الإقصاء بعد أداء متذبذب وخروج مخيب من مرحلة المجموعات، ليعجل بإقالة بلماضي مباشرة عقب انتهاء اللقاء مع موريتانيا. تلك الهزيمة كانت بمثابة النهاية لمسيرة بلماضي مع الخضر، بعد فترة من التألق والتحديات. جمال بلماضي، الذي تولى قيادة المنتخب منذ عام 2018، قاد الفريق لتحقيق إنجازات غير مسبوقة، كان أبرزها التتويج بكأس أمم إفريقيا في 2019 بمصر، مما جعل الجماهير الجزائرية تعلق آمالًا كبيرة عليه. ومع مرور الوقت، بدأت نتائج الفريق تتراجع تدريجيًا، حيث كانت الخيبات المتتالية في التصفيات والمباريات الودية بمثابة إشارات تحذيرية بأن الفريق بحاجة إلى تجديد في الأداء والتكتيك. ومع الخروج المخيب في كأس أمم إفريقيا 2023، أصبح قرار الإقالة أمرًا لا مفر منه. وبعد فترة قصيرة من الإقالة، أعلنت الفاف عن تعاقدها مع المدرب البوسني فلاديمير بيتكوفيتش، الذي يمتلك سجلاً حافلًا في عالم التدريب، حيث قاد منتخب سويسرا في العديد من البطولات الكبرى وكان له حضور بارز على مستوى الأندية الأوروبية، لا سيما مع نادي لازيو الإيطالي. هذا التغيير جاء في وقت حساس، حيث كانت الجماهير الجزائرية تأمل في حدوث تحول سريع يعيد المنتخب إلى المسار الصحيح. بدأ بيتكوفيتش مسيرته مع المنتخب الوطني الجزائري بترتيب مختلف، حيث أظهر من خلال المباريات الأولى أنه يسعى لإعادة بناء الفريق على أسس جديدة. ومع مرور الوقت، بدأ يظهر التأثير الإيجابي لبيتكوفيتش على الخضر، حيث ظهرت ملامح العمل الجاد والاحترافي في الفريق، وهو ما يعزز الأمل لدى الجماهير الجزائرية بأن المنتخب قد يكون على أعتاب مرحلة جديدة من النجاح تحت إشراف المدرب البوسني.
اتحاد العاصمة يرفع كأس الكونفدرالية ويثبت قوته رغم التلاعبات غير الرياضية لنهضة بركان
شهد نادي اتحاد العاصمة سنة 2024 لحظات من الفخر والإنجاز الرياضي بعد تتويجه بكأس الكونفدرالية الإفريقية، لكنه في الوقت ذاته مر بتجربة مريرة بسبب ما حدث في نصف النهائي أمام نادي نهضة بركان المغربي، حيث كان التتويج على مرمى البصر قبل أن يفسد المخطط غير الرياضي الذي أقدمت عليه إدارة الفريق المغربي. ما حدث في لقاء المربع الذهبي كان نقطة تحول محورية في مسار البطولة. بدأت الأمور بشكل إيجابي لنادي سوسطارة، الذي كان يخوض البطولة بحماس كبير وأداء مميز تحت قيادة المدرب الإسباني كارلوس غاريدو. كان الفريق الجزائري يقدم مستوى رائعًا في المباريات السابقة، مما جعله في وضعية مثالية قبل مواجهة نهضة بركان في نصف النهائي. ورغم التوقعات العالية، واجه الفريق الجزائري مفاجأة غير سارة في موعد الذهاب الذي جمع الفريقين في ملعب 5 جويلية. قبل المباراة، ظهرت تصرفات غير رياضية من نادي نهضة بركان الذي ارتدى قمصانًا تحمل شعارات سياسية خلال المباراة، في خطوة غير مقبولة في سياق رياضي بحت. كان هذا التصرف بمثابة استفزاز واضح للفريق الجزائري وجماهيره، مما خلق حالة من الغضب والتوتر في الأجواء. إدارة اتحاد العاصمة تقدمت بطعون رسمية لدى الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) احتجاجًا على هذه التصرفات، مطالبة بإجراء تحقيق ومعاقبة الفريق المغربي على انتهاكه لقواعد اللعب النظيف. ورغم تلك الطعون والاعتراضات، فإن الاتحاد الإفريقي قرر عدم اتخاذ أي إجراء صارم ضد نهضة بركان، مما أدى إلى استمرار الفريق المغربي في البطولة. هذا القرار زاد من الإحباط لدى إدارة اتحاد العاصمة والجماهير الجزائرية، التي شعرت بأن فريقها تعرض لظلم واضح في مواجهة كانت تمثل فرصة تاريخية للتتويج القاري الثالث في تاريخه. على الرغم من هذه الصعوبات، لم يثن ذلك عزيمة الفريق الجزائري. وبعد الخروج من المنافسة، أظهر اتحاد العاصمة قدرة على النهوض والتعافي سريعًا، ليواصل مشواره في البطولات المحلية والعودة إلى المنافسات الدولية بروح جديدة. لكن حادثة نهضة بركان ستظل راسخة في ذاكرة عشاق النادي كإشارة إلى التحديات غير الرياضية التي قد تواجه الأندية في المسابقات القارية، التي ينبغي أن تحظى بمعاملة عادلة تحترم روح الرياضة وتوجهاتها. ورغم كل ما حدث، تمكن اتحاد العاصمة في نهاية المطاف من التتويج بكأس الكونفدرالية الإفريقية، لتظل هذه البطولة شاهدًا على صمود الفريق وإرادته القوية في التحدي رغم الصعوبات التي مر بها.
مولودية الجزائر يتوج بلقب البطولة بعد غياب 14 سنة
عاد نادي مولودية الجزائر خلال سنة 2024 إلى منصة التتويج بلقب بطولة الرابطة المحترفة بعد غياب دام لـ14 سنة عقب آخر تتويج موسم 2009-2010. وحقق الفريق العاصمي موسما رائعا على جميع الأصعدة حيث تمكن من السيطرة على البطولة بالطول والعرض بمجموعة من اللاعبين المميزين على غرار يوسف بلايلي الذي كان بمثابة قائد للجوق. وكانت المولودية قريبة من التتويج بالثنائية، حيث بلغت الدور النهائي لمسابقة كأس الجزائر قبل الخسارة من شباب بلوزداد بهدف دون رد في النهائي الذي احتضنه ملعب 5 جويلية الأولمبي.
مواصلة إفتتاح الملاعب بمواصفات عالمية
واصلت الجزائر خلال سنة 2024 افتتاح الملاعب ذات المعايير العالمية، ما منح البلاد الفرصة لاكتساب بنية تحتية كبيرة في ما يخص الجانب الرياضي. وتم افتتاح ملعب حسين آيت أحمد ليكون الصرح الجديد لفريق شبيبة القبائل، والذي يعتبر دون شك من بين أجمل الملاعب ليس فقط في الجزائر، بل على مستوى القارة الإفريقية بشكل عام. كما تم افتتاح ملعب على عمار بالدويرة الخاص بمولودية الجزائر ليكون ثالث ملعب كبير بالجزائر العاصمة، بعد ملعب 5 جويلية العريق، وملعب نيلسون مانديلا الذي افتتح سنة 2022.
بعد غياب 8 سنوات.. العودة إلى منصة التتويجات في أولمبياد باريس 2024
بعد غياب دام ثماني سنوات عن منصات التتويج الأولمبية، عادت الجزائر لتسطر اسمها من جديد في تاريخ الرياضة العالمية خلال دورة الألعاب الأولمبية 2024 في باريس، حيث نجح الرياضيون الجزائريون في انتزاع ثلاث ميداليات مُشرّفة، مؤكدين علو كعب الرياضة الجزائرية رغم التحديات الكبيرة. كانت البداية المشرقة مع البطلة كيليا نمور التي أبهرت العالم في منافسات العارضتين مختلفتي الارتفاع، حيث قدمت أداءً استثنائيًا أظهر قدراتها الفنية العالية وتحكمها الكبير في التفاصيل الدقيقة للأداء، لتنتزع الميدالية الذهبية عن جدارة واستحقاق. إنجاز كيليا لم يكن مجرد تتويج شخصي، بل كان رسالة أمل لأجيال قادمة بأن الجزائر قادرة على المنافسة على أعلى المستويات في الرياضات الفردية، خاصة تلك التي تتطلب دقة عالية وإعدادًا احترافيًا. في حدث غير مسبوق، حققت الملاكمة إيمان خليف الميدالية الذهبية في وزن 66 كيلوغرام بعد فوزها المثير على البطلة الصينية ليو لوانغ. إيمان لم تكتفِ فقط بتحقيق الفوز، بل دخلت التاريخ كأول ملاكمة جزائرية تتوج بميدالية أولمبية، لتكسر بذلك الحاجز النفسي وتفتح الباب أمام المزيد من الفتيات الجزائريات لخوض غمار المنافسات العالمية بكل ثقة وشجاعة. لم يكن إنجاز العداء جمال سجاتي أقل أهمية، حيث أظهر إصرارًا كبيرًا في سباق 800 متر رغم المنافسة الشرسة. تمكن سجاتي من اقتناص الميدالية البرونزية، ليؤكد مرة أخرى مكانة الجزائر في رياضة ألعاب القوى التي لطالما كانت مصدر فخر للرياضة الجزائرية.
رحيل أساطير سنة 2024 بعد أن تركوا بصمة خالدة
لم تكن سنة 2024 خالية من الأحزان، فقد ودعت الجزائر مجموعة من الشخصيات الرياضية التي تركت بصمة خالدة سواء خلال فترة الاستعمار الفرنسي أو بعد الاستقلال. حيث غادرنا أسطورة كرة القدم الجزائرية ولاعب منتخب جبهة التحرير الوطني رشيد مخلوفي. صاحب 88 عامًا الذي فضّل تمثيل الجزائر على حساب المنتخب الفرنسي في أوج عطائه الرياضي، ظل رمزًا للتضحية والولاء للوطن. حيث سيبقى اسمه محفورًا في تاريخ الكرة الجزائرية كأحد أبرز الشخصيات التي ساهمت في ترسيخ الهوية الرياضية للجزائر. فقدت الكرة الجزائرية المهاجم السابق للمنتخب الوطني حميد مراكشي عن عمر ناهز 48 عامًا. مراكشي كان مثالًا للمهاجم الهداف الذي قدم الكثير للكرة الجزائرية خلال سنوات عطائه. رحل أيضًا الحكم الدولي السابق ورئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم (الفاف) بلعيد لاكارن عن عمر 84 عامًا. عرف لاكارن بنزاهته وكفاءته العالية، وكان له دور بارز في تطوير المنظومة الكروية في الجزائر. توفي المدرب الوطني السابق محي الدين خالف عن عمر 80 عامًا، وهو الذي كان له فضل كبير في تطوير كرة القدم الجزائرية من خلال إشرافه على المنتخب الوطني في مراحل حاسمة. آخر الراحلين الذين فقدتهم الجزائر كان المدرب المخضرم يوسف بوزيدي عن عمر 67 عامًا. كان بوزيدي من الأسماء التي فرضت احترامها في عالم التدريب المحلي، حيث ترك بصماته الواضحة مع العديد من الأندية الجزائرية.
سنة من التحديات والإنجازات
بين فرحة الإنجازات الأولمبية وحزن وداع الأساطير، ستظل سنة 2024 محطة فارقة في تاريخ الرياضة الجزائرية. إن العودة إلى منصة التتويج الأولمبي ليست مجرد لحظة انتصار عابرة، بل هي بداية لمرحلة جديدة تتطلب استثمارًا أكبر في المواهب الشابة وتطوير البنية التحتية الرياضية لتحقيق المزيد من النجاحات في المستقبل.
صالح.ب