الثلاثاء 22 أبريل 2025
أخبار الشرق

في رواية ( لم أهبك كتابا لتقرأه ) للقاصة / فاطمة العبادي.. الجرأة و صورة السلطة الاجتماعية

إذا كانت الرواية هي ذلك العالم المتشعب والمعقد، فإنها من خلال عالمها تحاول أن تطرق قضايا مهمة في مظاهر الحياة الإنسانية وتلك القضايا قد يسكت عنها المجتمع ويتغاضى عنها على الرغم بأنها ظاهرة من ظواهر المجتمع والحياة الاجتماعية أو السياسية ، أو الاقتصادية أو حتى الحياة التاريخية والدينية، فلم تعد الرواية تأتي لتجيب عن الأسئلة الجاهزة والاجوبة التقليدية أو تتحدث عن المظاهر السطحية بغرض التسلية والمتعة وقتل الوقت . بل أصبحت الرواية تتواكب مع سيرورة التطورات والتحولات العصرية في حياة الإنسان المختلفة وأصبحت الرواية أداة ووسيلة للمساءلة والمحاكمة لتلك القضايا والمظاهر فهي تحاكم السلطات المختلفة والأفراد والمجتمعات وحتى المشاعر محاولة إعادة صياغة الفكر والوعي كي يعي الإنسان عالمه ويعيد صياغة أفكاره وقيمه بمايتناسب مع الحياة بحيث يستطيع الإنسان استيعاب العالم وخوض غمار التغيير في المجالات المختلفة.فأصبحت الرواية غوص في الظواهر الحياتية المختلفة والمسكوت عنها.

خاصة تلك الظواهر التي تقوض الآمال والعزائم وتقتل الإرادات والأحلام.

وبين يدي هذه القراءة رواية جديدة للقاصة / فاطمة العبادي / الرواية صدرت عن دار أريب للنشر بصنعاء

عام ٢٠٢٤./ ٢٠٢٥م وجاءت الرواية في مائة وثمانية وتسعين صفحة من القطع من المتوسط..

فكرة الرواية ( الحرمان الاجتماعي) والسلطة الاجتماعية بعاداتها وتقاليدها وأفكارها وتصوراتها ورؤاها تجاه الأحلام والأماني والطموحات فتقف مستبدة بكل طغيان وبكل وسائل القمع الاجتماعي دون تلك الأحلام والآمال مما يتسبب أن الشخصية تصاب بالاضطراب وعدم الثبات والتشظي وعدم الانسجام والتناغم والتأثير والفاعلية داخل المجتمع.

 هذه الدراسة ستتناول( الجرأة وصورة السلطة الاجتماعية..)

والجرأة حين نعرفها كمفهوم : ( ليست التهجم والسب والشتم على الظاهرة سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو تاريخية أو حتى دينية وإنما هي: طرق مواقع الصمت والطرق على حفريات الظواهر المسكوت عنها والتي يتغاضى المجتمع عنها لأسباب كثيرة وذلك الطرق والتناول يأتي من المبدع بصورة عميقة غير سطحية وبأسلوب مؤثر يجعل من المتلقي يعيد التفكير في تلك الرؤى فالجرأة وعي عميق بالواقع والتعرف على مناطق الخلل في المجتمع ويتعمد ذلك على ذكاء الكاتب وحدسه وأسلوبه المؤثر ممايفضي إلى التعاطف مع الشخصية وإعادة تصويب المسار إن أمكن ولو حتى بالخيال لكن قد أثير العقل والفكر بطرح تلك الأسئلة من الكاتبة

– وإذا تأملنا في الرواية شخصية ( سام) الذي أحب بشجاعة وبلا تخطيط مسبق ابنة جارهم ( فهد والتي تسكن معهم في نفس الحارة وفي الأخير يكتشف بأنها ليست من طبقته وليست ذا أصل – كما جاء في الرواية – وحين يعلم والده بذلك يخاطب سام قائلا وبحزم : ( اسمع ياسام، فهد والدها أتى الحارة منذ سنوات وكان يعمل حلاقا قبل أن يدخل حارتنا.

أين المشكلة يا أبي ؟

– هذا يعني أنه “مزين” ليس له أصل ونحن أبناء قبيلة معروفة لن نلوثها بالانتساب إلى عائلة كهذه) ص٣٦

ومن خلال ماسبق: بعد معاناة الشخصية سام بالحب والتعلق إلا أنه يتلقى ردا فيه كثير من الاحتقار والنظرة الدونية لطبقة الحلاقين ( مزين ، ليس له أصل ، لن نلوث ، عائلة هذه)

وفي المقابل الفوقية( نحن أسرة معروفة ، أبناء قبيلة )

فالخطاب وقف بجرأة أمام المستويات الطبقية والمتجذرة في المجتمع على مختلف مستوياته مما يفضي إلى الحرمان باستبداد العادات والتقاليد فالخطاب من خلال الجرأة أثار أسئلة وجودية لايمكن التخلص منها أو تجاوزها

ولأن لخطاب جرئ فإنه ليحاكم نظرة المركز والأطراف بنظرة المركز الفوقي للطرف المهمش بدونية واحتقار وبفعل استبداد السلطة الاجتماعية فالمجتمع ممزق لحمته الاجتماعية غير قوية

لذلك يقول ( سام) : ( هل سيفوز الحب وينتصر على ظلم الطبقية والعنصرية أم أن العقول التي تربت على هيبة القبيلة والعار والخوف من مخالفة تقاليد المجتمع التي لايحق لأحد الخروج عنها) ص٤١

فالجرأة تطرح أسئلة. وجودية تمنح القصة الخصوبة والقوة وتمنح الفكرة الخصوصية لأنها طرقت مظهرا من مظاهر الواقع المأزوم فالهاجس الرئيس للقاص كشف الخلل ونقل المعاناة لذلك يقول( سام): ( من المؤلم أن تعيش في مجتمع لايهتم لمشاعرك .. لكن القسوة الأشد أن تقتل المشاعر في سبيل المعتقد والمتوارث) ص٥١

لذلك الجرأة تمثلت في محاولة التمرد على قوانين السلطة الاجتماعية وهتك أسرارها وبصورة أحيانا مؤثرة تقول أم منال لابنتها:( لم نجدي غير سام ؟ أنت تعلمين جيدا أن ماتقومين به خطأ فسام لايمكنه أن يتزوجك) ص٣٣

وإذا كان النص يحاكم العلاقات المستحيلة داخل الأفكار الاجتماعية فأنها يهز ويحاول خللة ذلك المستحيل.

إذا تاملنا علاقة ” كريم ” ” بفريدة ” واللذين جمعتهما المعاناة والحرمان ف” كريم” حرم من حنان أمه خمسة عشر عاما بكذبة من أبيه والمجتمع بأنها قد توفيت مريضة بالسل بعد أن انفصلت عن أبيه وهو رضيع و ” فريدة” حرمت من التعليم وهي في الصفوف الابتدائية بعد قرأ معلمها فيها شغفها بالقراءة فأهداها رواية فأصبت الغيرة زميلاتها فقمن بضربها ثم أدعين بأنهن ينصحنها بعدم أخذ الكتاب من المعلم فالمعلم يدعوها إلى الفساد فحرمها أبوها من المدرسة بعد أن طرد الأهالي المعلم من المدرسة.

يقول والدها:

 ( اخرسي لا أريد سماع أي كلمة أخرى لن تعودي إلى المدرسة بعد اليوم مجددا.)) ٨٤

فالخطاب يعكس يعكس مكر النساء ويرسم الأحكام الظالمة الاجتماعية السريعة وغير الموثوقة والرضوخ للعادات والتقاليد وإن كانت المتهمة بريئة وضحية للمكر يقول خالها لأمها:

(( لازلت تدافعين عنها ! أقل ماتستحق هو الضرب .

ألا تعلمين أن النار أهون من العار)) ص٨٨

وإذا كانت السلطة الاجتماعية : ( هي القوة التي تخضع الأفراد لقوانيها سواء كان ذلك بالسلب أو الإيجاب فإن النص الإبداعي يحاول أن يكسر من حدة تلك القوة حتى تتغير النظرة النمطية للمرأة والفتاة وتحاول من فضح ذلك التسلط أن ترسم حجم المعاناة للمرأة عموما:(( لن تقرئي سوى مانسمح لك بقراءته لايوجد فتيات يقرأن)) ص٨٩

فالحرمان والقهر هو ثيمة آتية من السلطة الاجتماعية ومن السلطة الأسرية خاصة

وإذا كانت شخصية كريم قد تلقت القسوة و المعاناة من زوجة أبيه ” الخالة” فمثلت تلك الصورة أعلى مستويات الاضطهاد الاجتماعي فتحول الطفل كريم إلى خادم لزوجة أبيه ” الخالة” يقوم بالأعمال المنزلية من غسل وكنس للمنزل يقول كريم 🙁 كنت أحاول جهدي أن أتحمل الأغطية….. أشعر بأن ظهري يؤلمني… الغطاء ثقيل وكبير لدرجة أن جزءا منه يتدلى على الأرض ، رأت زوجة أبي ذلك المشهد فاشتد غضبها علي .. مددت يدي لأخذ طرف الغطاء … أيها الغبي تزيد الغطاء اتساخا.. سقطت على الأرض .. اشتد غضبها أكثر .. بينما كنت أحاول النهوض.. صرخت بغضب ثم رمت الكأس الذي كان بيدها بتهور علي .. حل الكأس في معطف ساعدي ظلت يدي تنزف بقوة)) ص١٠١

إن طرق فكرة زوجة الأب القاسية والأب المنهزم الذي لايهش ولاينهش ومستسلم لأوامرها يعد فكرة جديدة وجرأة في نقد الأسرة كجانب من السلطة الاجتماعية الطاغية فالرواية تغوص في المسكوتات التي تعاني منها الطفولة ففريدة تعاني من سلطة الأب والخال وكريم يعاني من سلطة الخالة زوجة الأب حد أن زوجة تحولت إلى رمز للقسوة وللاستبداد في ظل إب يخضع لكل أوامر الزوجة يقول كريم 🙁 اليوم وقد أصبحت رجلا أرى أثر الطغيان الذي طغى على طفولتي.)) ١٠٢

وإذا كانت الرواية تحاول أن تغير النظرة من المجتمع للفتاة والمرأة عموما فقد وللتعليم وللقبول بالتجانس

فإن شخصية فريدة قد رسمت بالفتاة المحرومة من التعليم والمحرومة من الاختلاط بالمجتمع ومحرومة من الانطلاق فهي سجينة البيت والغرفة فذنبها الحيد إنها امراة وليست رجلا لذلك تقول فريدة بخطاب موجع :(( فقط لأنه رجل له كل تلك الصلاحيات التي جعلتني مجرمة في مجتمع لايعرف سوى السوط والسلاسل والسجون)) ١٠٦

فالرواية ترسم من خلال الأحداث الصراع مابين المرأة والمجتمع بوصفها الطرف الأضعف فهي محرومة من الأحلام والتأثير والفاعلية ونصيبها الخيبات والفشل والإخفاق والجبر والقهر لكنها برغم كل ذلك امرأة متحدية تقرأ وتحقق أحلامها بعيدا عن المدرسة تقول فريدة : ( العنف ضد الحلم يصبح وقودا للإصرار.. حرمت من إكمال دراستي لكني لا أحتاجها ، فقد علمتني الحياة كيف أقرأ وكيف استنتج، زاد طمعي بأن أكون لنفسي مدرسة)) ص١٠٧

وتتحول شخصية ” كريم ” إلى الشخصية المغامرة التي تبحث عن اللغز التي يكتنف شخصية فيتحول إلى رمز للمخلص والمنقذ بعد أن عاد إلى أمه بعد حرمان خمسة عشر عاما حيث يقول:

 (( عشت خمسة عشر عاما أترحم عليها وأدعو الله أن يقود السل الذي أخذ روح أمي ليأخذني إليها… أتذكر اليوم حينما ذهبت للعيادة لإجراء بعض الفحوصات أخذني المعلم رائد …

سألني المحاسب ” أنت كريم وأمك تدعى عبير .. استغربت

سألته: هل تعرف أبي

فقال أنا أعرف أسرة والدتك وأعرف أنها انفصلت عن والدك وأنت رضيع لاتعرفها…… أمك تتمنى أن تراك)) ص١٥٠

فالنص من خلال يتجرأ على السلطة الأبوية ويعكس حجم القسوة التي عاناها الطفل بتعمد حرمانه من والدته فحين خاطب كريم أباه برغبته في رؤية أمه رد عليه والده: ( أريد أن أرى أمي فرد أباه… لقد مرضت وماتت بالسل قالها والدي بغضب وصوت عال)) ١١٥

فالنص يفضح السلطة الاجتماعية المتمثلة بالأب والتي قد نرى بعض تمظهراتها في حياتنا فتتحول شخصية كريم إلى جانب رمزيتها في الخلاص والانقاذ لفريدة فأنها شخصية الصبر والتحمل والرجول واستطاع أن يكتشف اللغز الذي كان يكتنف حياة فريدة ويتمثل بالحرمان من التعليم والعزلة عن المجتمع فكانت رهينة البيت وعرفتها مما أفضى إلى الشعور بالغربة والاغتراب الروحي وتحولت الأمكنة إلى أمكنة طاردة لأن هذه الأمكنة افتقدت قيم المحبة والتآلف والتعارف فتحولت أمكنة فريدة إلى أمكنة غير قابلة لممارسة الحياة بألفة وتأثير فهي تنفر من المجتمع لعدم إحساسها بالأمان والطمأنينة والناس ينفرون منها تقول (أم فريد) ل…(كريم ) :

( الناس ينفرون منها عدا صديقة تبعد منزلنا

ولماذا ينفرون منها ( كان أبوها يحاربها من القراءة ومنعها من مواصلة التعليم)ص١٢٥

فتحولت حياتها إلى ذهان وجنون .. تقول فريدة: ( انقلبت حياتي .. كنت أنام وأرى كوابيس مزعجة .. أشعر بأن أحدا يراقبني ، أشعر بخطوات تتعبني أنا رهينة الانتقام ومحطة ثأر لعالم من الجان) ١٦٥

فالمكان والشخصية تحولت إلى شخصية مهزوزة ومريضة نفسيا نتيجة للعنف الاجتماعي الأسري فالمكان مخيف غير آمن موحش وتحولت الذات غير طبيعية معنفة نفسيا ففقدت الذات توازنها وثباتها ووحدتهاو تماسكها وتحولت إلى شخصية هامشية غير مؤثرة.

واستطاع كريم أن يكون المخلص والمنقذ وتمكن من يخرجها من عالمها المأزوم بالجن والميتافيزيقيا إلى شخصية سوية

وممالفتني في الرواية

– قدرة على السارد على الجذب والتشويق

– الحوار الداخلي الذي سيطر على الرواية لأن القضية والفكرة تحتاج إلى استبطان الشخصية والغوص في عالمها وبتأثير عميق يتشابك معه القارئ ويتعاطف لحد ليس بالقليل.

وقل الحوار المباشر فالفكرة تحتاج لمساءلة وتحتاج لتأثير وهذا يحسب للقاصة

أما إذا تأملنا اللغة جاءت مؤثرة شاعرية تفيض بالصور(( .. لم يتخط ذلك الصوت الشجي الذي زاد من مرض قلبه بها علة وسقما، الحب لايورث إلا حبا)) ص٢٤

وجاءت اللغة بفلسفة رائعة (( كيف للجفون أن تخفي الدموع ،؟ وكيف للقفص الصدري أن يحجب نبضات القلب)) ص٢٣

(( تتميز الأوراق بأنها تجيد الانصات أكثر من التحدث.))

(( الحب لايأتي بمخطط اصطناعي بل يحتل القلوب فجأة )) ٦٠

وباختصار جاءت اللغة خاصة عند قراءة وتصوير المشاعر والعلاقات جاءت فلسفية مؤثرة شعرية غاية ولم تأت عبثا بل أحيانا رمزيا تخدم الفكرة والمضمون.

ومما راقني في الرواية في الرواية أن الذات متصالحة مع الرجل الحبيب فهو المنقذ والمخلص الذي أخرجها من أمراضها النفسية وعقد الماضي ومن الخيبات بعكس الروايات التي تجلد فيها المرأة الرجل

لتعلي من شأن المرأة برؤية قاصرة

وغير مقنعة فالرواية فيها مصداقية في التجربة والمعايشة .

وفي الأخير وليس آخرا قدمت الرواية تساؤلات مثيرة حول المجتمع والسلطة الاجتماعية ولم تقدم حلولا جذرية لما هو سائد شأنها شأن أي رواية في الإثارة وإعادة ترتيب قيم المجتمع بصورة مثالية ولو مجازا.

وإذا كان من مآخذ على الرواية فهي كالتالي:

– تحدث عن علاقة سام بمنال والفكرة جريئة جدا لكنها انتهت القصة وبدأت رواية كريم وفريدة دون أي ربط وكأن القارئ يقرأ روايتين هذا من ناحية ومن أخرى تعرض ( سام ) من أسرة منال للابتزاز فقد أغروه بالموافقة على زواجه فقط ليبتزوه ماليا وهنا أعدت الفكرة للمثل القائل:( إذا غرك الأصل دلك الفعل ) وانتهت الجرأة فذلك تبرير ولم يعد ذلك نقدا للمجتمع.

– أظن أن الحديث عن الجن والشعوذة داخل الرواية لم يكن ذا قيمة وإن كان صادقا فالرواية ليس من وظائفها التكريس للشعوذة والعالم الميتافيزيقي .

– العنوان جاء طويلا ومكشوفا ولم يكن ملفتا أو مثيرا بل هو خطاب لشخص بذاته ( لم أهبك: أي أنت

لتقرأه أي أنت فالعنوان مغلق لحد بعيد .

– الأخطاء اللغوية داخل الرواية كثيرة جدا.

– من الهنات ذكر الهذيان والجنون في بداية الرواية وكأن المقدمة ،( بداية الرواية ) اختزلت الرواية والمفترض ألا يذكر ذلك لنترك الدهشة للمتلقي والصدمة.

علي أحمد عبده قاسم. اليمن

مواضيع ذات صلة

الذكاء الإصطناعي والإبتكار في صلب إنطلاق شهر التراث بالطارف

akhbarachark

مديرية الثقافة والفنون لولاية الطارف تحتضن ملتقى وطني حول التراث الثقافي في عصر الذكاء الاصطناعي

akhbarachark

مكتبة ملايكية محمد لبلدية الشط تحتفي بعيد العلم

akhbarachark