الخميس 21 نوفمبر 2024
أخبار الشرق

عام البو.. الفترة الأسوأ للتواجد الاستعماري في الجزائر

يقف الجزائريون الآن وأمام أعينهم مشاهد تتناقلها ذاكرة الأجداد والأحفاد الرافضة للنسيان، فالجزائري بالكامل كان يستنزف على يد الاحتلال الفرنسي الذي حاول طمس هويته.

حسب روايات مؤرخين جزائريين، فإن أرض بلادهم ظلت تغذي فرنسا بكل ما لذ وطاب، كما أن اكتشاف النفط عام 1956 واستغلال مناجم الذهب والحديد والفحم ومختلف المعادن كانت في خدمة الاقتصاد الفرنسي انطلاقا من أرض الجزائر.

قانون الأهالي لتفقير الجزائريين

بحلول عام 1871 أصدرت فرنسا الاستعمارية أحد أهم قوانينها الذي كان له الأثر البالغ حسب مؤرخين على نهب خيرات وثروات الجزائر، وهو قانون الأهالي “السكان الأصليين”.

ومن أهم ما نص عليه القانون هو جعل سكان الجزائر الأصليين تابعين للمستعمرين سواء كانوا فرنسيين أو أوروبيين.

كما نجم عن القانون تبعات أخرى وهي تمليك الأراضي الزراعية الخصبة للمعمرين الأوروبيين الذين قدموا من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ومالطا.

هذا القانون جعل الجزائريين يعملون لدى المعمرين وفق ما يعرف بـ “الخماس”، ومعناه أن الجزائري لا يأخذ من محصول الأرض التي يخدمها هو سوى خمس الإنتاج.

وحتى تنقلات الجزائريين الذين صار يطلق عليهم تسمية “الأهالي” أصبحت مقننة وتقتضي تراخيص من السلطات الاستعمارية.

وفي شهادة سابقة لـ عمار بن تومي، وهو محامي جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي قادت الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي (1954/1962)، قدمها في 30 أكتوبر 2012 بجريدة الشعب، قال فيها إن قانون الأهالي كان هدفه تكبيل الجزائريين وفسح المجال أمام المستوطنين (المعمرين) لاستغلال ونهب ثروات البلد.

واستمر العمل بقانون الأهالي وما نجم عنه من استغلال ونهب للثروات ومصادرة الأراضي الزراعية وطرد وتهجير السكان الأصليين إلى الأراضي القاحلة والجبلية، إلى غاية العام 1945.

كما أصدرت السلطات الاستعمارية في الجزائر قانونا عام 1870 يعرف بـ “قانون كريميو” فصلت بموجبه الجزائريين (السكان الأصليين) عن اليهود الذين منحتهم الجنسية الفرنسية، ونجم عنه امتيازات عديدة للجالية اليهودية، خصوصا في المجال التجاري.

وقائع عام من المجاعة والبؤس

عام البو والشر والديباركمان هي تسميات كثيرة لسنة عصيبة ألمت بالجزائريين إبان فترة الاستعمار الفرنسي.. جوع وأمراض وكوارث طبيعية جعلت من هذه الفترة الأسوأ في تاريخ تواجد فرنسا في الجزائر.. وأصبح يضرب بها المثل للحال المتعثرة والفقر.

فبعد انهزام فرنسا في بداية الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي جعلت هذه الأخيرة مستعمراتها، كالجزائر والمغرب، جبهة خلفية لإنتاج المواد الغذائية، فأتت هذه السياسة الاستنزافية للمحاصيل على الأخضر واليابس، بالإضافة إلى الجفاف الذي عمّ الجزائر خلال عدة سنوات..

سنوات قحط أتت على ثلاثة أرباع المحصول… فجفت عروق الأرض وقل الزاد.. هذا الوضع اضطر الكثير من الفلاحين إلى ترك أراضيهم مقابل ما يسدون به جوع عائلاتهم، وساقوا قطعانهم إلى الأسواق لبيعها بأبخس الأثمان، وأجبرت السلطة الاستعمارية آخرين على ترك أراضيهم قسرا وتركها للأجانب، وفي المقابل عرضت عليهم حصة شهرية قدرها ثلاثة كيلوغرامات من القمح والشعير.. وحسب بعض الروايات، فإن الناس حينها كانوا يهرعون من المناطق السهبية ومن الجنوب هربا من الجوع باتجاه المناطق التلية، أملا في العثور على الشعير والقمح، لكن أهل التل أنفسهم كانوا يعانون الجوع، وأصبحت المواد الأساسية تباع في السوق السوداء بأضعاف سعرها… كان الناس يلجؤون إلى حيل لسد الجوع وكانوا يستبدلون القهوة بالحمص والسكر بالتمر اليابس وكانوا يسترون عوراتهم بأكياس المواد الغذائية المصنوعة بالخيشة.

.. وسرعان ما تدهورت أحوال الناس ومسهم الجوع والفاقة فمات الآلاف جوعا، ولحقهم الآلاف بعدها من جراء المرض… فتناثرت الأجساد الهزيلة هنا وهناك بأسمال بالية وبخطى متثاقلة.

أما في المدن، ففرضت فرنسا نظاما استهلاكيا جديدا عرف بالتموين بالبون، وكان الجزائريون يقتنون المواد الاستهلاكية بتقديم أوراق “البون”. وأصل التسمية من الكلمة الفرنسية bon أو وصل خاص. وكان الجزائريون آنذاك ينطقونه “البو”. وقد عرف هذا البون بلونه الأخضر، كان يمنح لكل رب عائلة يقدمه كل أسبوع للحصول على مؤونة أو ما كان يسمى بالعامية “رافيطايمون”… وكان هذا البون يتكون من سكر وزيت وشاي وقهوة وبعض الألبسة.

ولم تكن هذه المؤونة الشحيحة كافية لسد أفواه الملايين من الناس السابغة الجائعة، فاضطر الكثيرون إلى أكل الأعشاب وجذور النباتات البرية مثل القرنينة والترفاس والعرعار والترقودة وقرين جدي والتالمة وكل الطرائد البرية حتى الجرذان حسب شهادات البعض…

وتفشى من وراء هذه المجاعة مرض التيفوس، الذي أصبح بعدها وباء أودى بحياة المئات والمئات من الناس وعانى الناس خاصة الصغار من سوء التغذية، وأصبحت القرحة ومشاكل الجهاز الهضمي ملازمة لكل وجبة غير سائغة… وتصادفت أحداث كثيرة مع المجاعة المتفشية مثل الزلزال، مما زاد الوضع سوءا..

أهازيج الجوع

كثيرة هي الأشعار الشعبية التي تحكي عن هذه الفترة العصيبة، منها ما ترويه الجدات عن أمهاتهن اللواتي عايشن الجوع فغنين: “مانشتيش الشرّ راني جربتو وعلى ما دارت فيّا… ترقودة والعرعار قرين جدي عليه طيّبت إيديّا”. وأخريات هتفن: “الله الله يالرقدة يُذكرك بالخير، الطاجين رقـد وتهنّى والحلاّب يحير، التارقودة قمح العولة والبلوط شعير…” وأهازيج تذكر الحرب العالمية الثانية وأدولف هيتلر: “أنتِ عزيّج كذّابة وهتلير وَيْكت شفتيه… الحمص ما نحّ الدوخة والطين صوبنتي بيه… قعدتي حمرة عريانة حتى بالخيش لبستيه…”

محاولات فاشلة لمحو عار المستعمر

حاولت فرنسا أن تخفي هذا الجزء الأسود من تاريخها الملطخ بدماء الأبرياء وراحت تروج لصورة المنقذ، فانتشرت صورهم وهم يوزعون الأكل على الأنديجان كما يسمونهم، ولكن هيهات أن يمحو مستدمر ذاكرة شعب صقله الجوع وقوت الفاقة شكيمته… وعلى بطون خاوية قامت الثورة التحريرية، فابتلت العروق المروية بالحرية وسكنت القلوب المفعمة بحب الوطن.. هذه الجزائر التي لا يقهرها ظمأ ولا تهزمها مخمصة.

ق.ث

مواضيع ذات صلة

الشهيد زيغود يوسف.. الثائر العنيد والمقاوم الشرس

akhbarachark

بمؤلفه الجديد “مجلس المنافسة الجزائري بين المآلي والآمال”..  الكاتب كريم كعرار يسجل مشاركته في “سيلا 2024” 

akhbarachark

غوانتنامو فرنسا في الجزائر.. معتقل “الدزيرة”.. شاهد على همجية الاحتلال وبشاعته

akhbarachark