استقبل جمال يوسف بريحي مدير الثقافة والفنون لولاية سوق أهراس “أخبار الشرق” خصيصا من أجل الحديث عن أهم مستجدات القطاع الثقافي وكشف لنا حصريا عن العديد من المستجدات الهامة التي ستمس عدة معالم أثرية، كما تعرفنا أكثر على نظرته ورؤيته المستقبلية للثقافة في ولاية سوق أهراس وكان لنا معه هذا الحوار:
كيف تقيمون واقع الثقافة والفنون في ولاية سوق أهراس؟
بداية، أشكر لكم هذا الاهتمام الذي يُظهر حرصكم على تسليط الضوء على الحقل الثقافي في هذه الولاية التي لها تاريخ عريق ومكانة متميزة في المشهد الوطني. يمكنني القول بثقة إنّ الواقع الثقافي في سوق أهراس “منتعش”، بفضل التوظيف الفعال للمواهب المحلية والإبداع الجمعوي والشبابي. يعود هذا التراكم الثقافي إلى جهود مخلصة لدعم النشاطات الثقافية، سواء من خلال المؤسسات الرسمية أو المبادرات الخاصة.
ماهي أبرز الإنجازات التي حققها القطاع خلال السنوات الأخيرة؟
شهدت ولاية سوق أهراس نقلة نوعية في مجال البنية التحتية الثقافية، وهو ما يجعلها استثناء على المستوى الوطني. أبرز الإنجازات تشمل القطب الثقافي الذي يضم مرافق بارزة مثل المكتبة الرئيسية، مديرية الثقافة، دار الثقافة، معهد الموسيقى والمسرح الجهوي. بالإضافة إلى مسرح الهواء الطلق، الذي يُعد تحفة هندسية بتصميمه العصري وقدرة استيعابه التي تصل إلى 3600 مقعد، مجهز بأحدث التقنيات الصوتية والبصرية. أذكر أيضا قاعة السينماتيك دائمة النشاط، والمكتبات القطاعية والبلدية التي تسهم بدورها في تحفيز القراءة. أرى أن التحدي الأكبر يكمن في إيصال هذه الخدمات إلى المناطق الحدودية والنائية، حيث نطمح في إنجاز مشاريع جديدة تسهم في خلق بيئة ثقافية متكاملة.
ماهي التحديات فيما يتعلق بتثمين وصيانة التراث المادي بولاية سوق أهراس؟
يعلم الكل أن ولاية سوق أهراس بأكملها تراث مادي، يمكن تأصيله وتأريخه إلى ما قبل التاريخ. أذكر على سبيل المثال الرسوم الحجرية الموجودة في “كاف المصورة”، أيضا “كاف خراز” الذي اقترحناه للتصنيف أيضا. المدن والمعالم الأثرية، منها “مادور” أول جامعة في التاريخ وموطن أول روائي في التاريخ لوكيوس أبوليوس، موقع خميسة الأثري، هنشير القصيبة، تاورة، تيفاش وغيرها من حضائر أثرية منتشرة في كل ربوع الولاية. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، موقع مادور بحسب أقوال الدكتور بورحلي المشرف على الحفريات بالمكان، لا يبدي حاليا أكثر من ربع محتواه الأثري، وما هو موجود فعلا، قد يفاجأ أكبر علماء الآثار والتاريخ في العالم. لا أستثني خميسة من كلامي، وهي مدينة أثرية ذات امتداد نوميدي متميز بكل المقاييس. وفيما يتعلق بالترميم، فإن وزارة الثقافة والفنون تنطوي على عدة مؤسسات قطاعية إضافة إلى المديريات المركزية المهتمة بالتراث المادي واللامادي، كما يوجد الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية OGEBC وهو المشرف الأساسي التراث المحمي. بالنسبة لنا كإدارة، اقترحنا عدة عمليات لتثمين والعناية أكثر بالتراث الثقافي، منها عملية مسجلة لفائدة المسرح النوميدوروماني بخميسة قصد تهيئته، جُمّدت فيما سبق سنة 2014 وننتظر رفع التجميد هذه السنة لمباشرة الأعمال بالموقع. قمنا كذلك بتسجيل بعض العمليات، قصد اقتراحها بالموقع الأثري مادور بعد صدور قرار تصنيفه مباشرة.
موقع مادور الأثري، هل صدر قرار تصنيفه رسميا؟
كانت هناك بعض التحفظات الإدارية وقمنا بتسويتها، والمشروع الآن على مستوى الأمانة العامة للحكومة قصد دباجته، وسيصدر قرار التصنيف عن قريب ان شاء الله في الجريدة الرسمية. نفس الشيء بالنسبة إلى “كاف المصورة”. هذا سيسهل تسجيل عمليات الترميم والتهيئة وما إلى ذلك من برامج جاهزة تنتظر فقط صدور القرار.
هل من معالم أثرية قيد التحضير للتصنيف حاليا؟
هناك خمس معالم نقوم بالتحضير حاليا لتقديم مشاريع تصنيفها في الأسابيع القادمة، سترفع أمام اللجنة الولائية للممتلكات الثقافية على مستوى ولاية سوق أهراس في غضون أسبوعين على الأكثر، وبعدها، سيكون الدور على اللجنة الوطنية قصد برمجتها للتصنيف الوطني. هذه المعالم هي: “زيتونة القديس أوغستين”، “المسجد العتيق”، “الموقع الأثري تاورة”، “الموقع الأثري هنشير القصيبة”، “جدارية كاف الخراز”. هذه خطوة هامة لضمان حماية تراثنا الثقافي والتاريخي للأجيال المقبلة.
ما تقديركم للإرث التاريخي والتراثي لولاية سوق أهراس؟
لطالما قلت إنّ سوق أهراس ليست مجرد ولاية كما يصنفها التقسيم الإداري، بل هي فضاء ثقافي مترامي الأطراف، تنبض فيه أصالة التاريخ وتتشعب فيه فروع التراث التي تمتد لتغطي مناطق محسوبة إداريا على ولايات أخرى. إنها موطن الإرث الحضاري المتفرد، حيث يتجسد الموروث الثقافي في شقّيه المادي واللامادي، مكمّلا لهويتها الفريدة. كما إن سوق أهراس لم تكن غائبة عن مشهد المقاومة الوطنية، بل كانت القلب النابض للثورة التحريرية المجيدة، والقاعدة الشرقية التي مدّت جسور الصمود للجزائر بأكملها، والرئة التي تنفّست بها تلك الملحمة البطولية. باختصار، أقول، سوق أهراس لا تقف شاهدة فقط على تنوع روافد الثقافة الجزائرية الأصيلة، بل أعتبرها مرآة تعكس ثراءها بشكل لا مثيل له.
نتحول الآن إلى منجزكم الثقافي خلال السنة الفارطة، ما أبرز المحطات التي سجلتموها؟
شخصيا، أتفادى التركيز على الأرقام والإحصائيات عند الحديث عن الثقافة، لأن هذا المجال لا يُقاس بالكميّة، بل بالنوعية، ولا يُختزل في بيانات المؤسسات الرسمية، بل يظهر في تفاصيل الحياة اليومية. الثقافة هي المرآة الحقيقية للمجتمع، والروح التي تحركه، والمجتمع الذي لا يحتضن الثقافة ولا يتنفس رحيقها يصبح كيانا جامدا بلا روح. في سوق أهراس، وإن كان البعض يتفادى الحديث عن الحياة الثقافية، فإنها تنبض بالحياة من خلال النشاط اليومي الذي يزخر به السكان. هذا النشاط لا يقتصر على المؤسسات الرسمية كدار الثقافة، التي تفتح أبوابها أسبوعيا لتقديم فعاليات متنوعة، أو المكتبة الرئيسية والمكتبات القطاعية، المسرح الجهوي، وقاعة السينما، بل يمتد ليشمل العنصر الأهم وهو دور الجمعيات والحركات الثقافية. بالنسبة لي، كمدير للثقافة في ولاية سوق أهراس، أعتبر أن مهمتي الأساسية هي التنسيق بين مختلف الفاعلين في المشهد الثقافي: الجمعيات، المؤسسات، الأفراد، المتعاملين الثقافيين، وحتى المؤثرين. ومن هنا تأتي أهمية العمل الجماعي لإحياء المشهد الثقافي.
أما عن سنة 2024 فقد كانت عاما استثنائيا بامتياز، وزادتها تميزا الذكرى السبعون لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة. هذه الذكرى تركت بصمتها الإيجابية بوضوح على الساحة الثقافية في الولاية، حيث أطلقنا العديد من المبادرات التي حملت طابعا إبداعيا ووطنيا مميزا. شهدنا أعمالا مسرحية أبدعت في استلهام مآثر الثورة التحريرية، وجرّبنا للمرة الأولى تقديم عمل كوريغرافي مستوحى من أحداث الثورة، وهو حدث غير مسبوق على مستوى الولاية. كما ارتبطت الإنتاجات الفنية ارتباطا وثيقا بالحدث، حيث تبنّت الأوركسترا اسم “الفرقة النوفمبرية”، فيما أطلقت الجمعيات عروضا مسرحية راقية مثل “الساقية” و”الوعد”، لتشكل هذه الإنتاجات فسيفساء ثقافية نابضة بالروح الوطنية.
في شهر التراث، انطلقنا من الأماكن المغلقة إلى الفضاءات المفتوحة، حيث بدأنا الاحتفال بعمل مسرحي عن أبوليوس المادوري داخل المسرح النوميدوروماني بمادور، وختمناه تزامنا وإطلاق مهرجان القراءة في موقع خميسة الأثري، وهو حدث رمزي يعكس العودة إلى الجذور الثقافية. كما نظمنا بالتعاون مع جمعية “جيل أهراس” ندوة علمية مميزة بمدينة سدراتة بمشاركة نخبة من علماء الآثار. ولطالما تمنى الجميع أن تأخذ الثقافة أبعادا أوسع لتصل إلى أماكن أكثر، إلا أن محدودية المرافق حالت دون تحقيق ذلك بالكامل. أيضا ومن بين الشخصيات البارزة التي استضفناها كان البروفيسور صالح بلعيد، رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، الذي وفد على سوق اهراس بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، كما نظمنا الملتقى الوطني لأدب الثورة، الذي جمع أبرز الباحثين والمبدعين. ولاية سوق أهراس تثبت يوما بعد يوم أن الثقافة ليست مجرد نشاطات موسمية أو احتفالات عابرة، وإنما نبض متجدد يعكس هوية مجتمع عريق، ويساهم في خلق وعي حضاري متواصل يربط الماضي بالحاضر ويؤسس للمستقبل.
ماذا عن الشباب ودورهم في الحركة الثقافية بولاية سوق أهراس؟
الشباب هم العمود الفقري للحقل الثقافي، حيث يشكلون ما يقارب 80% من الفاعلين في هذا المجال، سواء داخل الجمعيات الثقافية أو عبر المبادرات الفردية. هذا المعطى ليس مجرد رقم، بل هو واقع نعيشه يوميا، حيث نجد أن أغلب الجمعيات النشطة في المشهد الثقافي هي جمعيات شبابية بامتياز. وما يلفت الانتباه أكثر هو عودة الشباب بقوة إلى الاهتمام بالموروث الثقافي، ليس فقط باعتباره ذاكرة تاريخية أو تراثا محنطا، بل كمنجم غني يستلهمون منه أعمالا وإبداعات جديدة تتماشى مع متغيرات العصر. هذا التوجه يعكس وعيا متزايدا بأهمية الأصالة في بناء المستقبل، حيث يتجلى هذا الوعي في إنتاجات فنية وثقافية تعيد صياغة الهوية الجزائرية بأسلوب معاصر. هدفنا الأساسي، كقطاع ثقافي، هو تعزيز هذا التوجه والعمل على تمكين الشباب من أدوات التعبير المختلفة، سواء في الأدب أو الفنون البصرية أو المسرح والموسيقى. نحن نسعى بجد وحقيقة إلى بناء ثقافة تنظر نحو المستقبل بعين مفتوحة، دون أن تغفل عن إرث الماضي المجيد.
ماذا عن التعاون مع الجمعيات الفاعلة، خصوصا في الأدب والمسرح والفنون؟
أؤمن أن استخدام مصطلح التكامل بدلا من التعاون ليس اختيارا عابرا، بل ضرورة تعكس رؤية عميقة للعمل الثقافي المشترك. التكامل بين مؤسسات القطاع الثقافي والحركة الجمعوية في ولاية سوق أهراس يشكل إحدى الدعائم الأساسية للمشهد الثقافي المحلي، وهو ما يضمن استمرارية الفعل الثقافي وديمومته. في الأدب، تبرز المؤسسات الثقافية، مثل دار الثقافة والمكتبة الرئيسية كمظلة تحتضن نشاطات ومبادرات أدبية متعددة. هذه المبادرات تشمل لقاءات وندوات أدبية، ورشات للكتابة الإبداعية، وملتقيات تجمع بين الكُتّاب المحليين وأسماء أدبية وطنية بارزة، ما يخلق جسور تواصل فعالة بين مختلف الأجيال. أما في المسرح، فإن العلاقة بين المؤسسات والجمعيات تكون أوثق وأكثر رسوخا. الجمعيات المسرحية المحلية تلعب دورا محوريا في إنتاج أعمال فنية متميزة تُعرض في المرافق المسرحية الكبرى للولاية، كالمسرح الجهوي ومسرح الهواء الطلق. هذه الشراكات لا تقتصر فقط على الإنتاج، بل تشمل أيضا التأطير والتدريب، مما يعزز من احترافية العمل المسرحي المحلي. وفيما يخص الموسيقى والفنون التراثية، رغم أن عدد الجمعيات النشطة أقل مقارنة بالمجالات الأخرى، إلا أن هذه الفضاءات تشهد مبادرات نوعية تُبرز الحرص على صون الموروث الثقافي وتجديده. الجمعيات الموسيقية والتراثية تحظى بدعم مباشر من المؤسسات الثقافية، مما يعكس انفتاح هذه الأخيرة على جميع الأفكار والمشاريع التي تحملها الحركة الجمعوية. أشير هنا إلى نقطة جوهرية، وهي أنّ جميع المؤسسات الثقافية في سوق أهراس تظل مفتوحة ومنفتحة على مبادرات الأفراد والجماعات. هدفنا المشترك هو تحقيق الانسجام بين الرؤية المؤسسية للعمل الثقافي والطاقة الإبداعية التي يحملها المجتمع المدني. هذا التكامل لا يعزز فقط الحراك الثقافي، بل يضمن أيضا مركزية الثقافة في الحياة اليومية بالولاية.
ماهي إمكانيات الاستثمار في قطاع الثقافة بولاية سوق أهراس؟
الاستثمار في قطاع الثقافة بولاية سوق أهراس يفتح آفاقا واسعة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وذلك بفضل الرصيد الثقافي والتاريخي الغني الذي تزخر به الولاية. ومع ذلك، تبقى القاعدة الجوهرية “لا استثمار دون مستثمرين”، وهو ما يجعل التركيز على استقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات الخاصة أمرا حيويا لتفعيل الإمكانات الكامنة. ولاية سوق أهراس، بحكم كونها متحفا مفتوحا على الطبيعة، تمتلك كل المقومات اللازمة لجعل الثقافة قاطرة اقتصادية. فالولاية تعج بالمواقع الأثرية، والتراث المادي واللامادي الذي يمكن أن يُستغل بفعالية في تعزيز السياحة الثقافية. على سبيل المثال، مسار القديس أوغستين الذي ترعاه وزارة الثقافة والفنون، يمنح سوق أهراس النصيب الأكبر بحكم احتضانها لمحطات رئيسية ضمن المسار، مثل زيتونة القديس بسوق اهراس، وموقع جامعة مادور بمداوروش. أشير على أمر مهم وهو أن السياحة الثقافية بطبيعتها تتكامل مع بقية أشكال التعبير الثقافي، ما يفتح المجال أمام استثمار أوسع يشمل الحرف التقليدية، الفنون التشكيلية، الموسيقى، المسرح، وحتى الصناعات الإبداعية. تطوير هذه الجوانب يعني توظيف التراث الثقافي كرافد أساسي يعزز الاقتصاد المحلي، ويوفر فرص عمل جديدة للشباب.
من بين الإمكانات الأخرى، استغلال الفضاءات الثقافية الكبرى في الولاية، مثل دار الثقافة، مسرح الهواء الطلق، والمرافق التابعة للمسرح الجهوي. يمكن لهذه الفضاءات أن تتحول إلى منصات متعددة الاستخدامات، عبر كرائها للفعاليات الثقافية أو الاقتصادية. وهذه الفعاليات تشمل تنظيم الحفلات الموسيقية والعروض المسرحية، استضافة الندوات والمؤتمرات الخاصة بالمؤسسات، إقامة الملتقيات المهنية والمعارض التجارية. شريطة أن يتم ذلك وفق القوانين التنظيمية والأصول المرعية، لضمان حماية الطابع الثقافي لهذه الفضاءات. باختصار، سوق أهراس تملك كل المقومات لتكون نموذجا للاستثمار الثقافي، بدءا من السياحة الثقافية، مرورا باستغلال الفضاءات الثقافية، وصولا إلى تعزيز الصناعات الإبداعية.
ماذا عن المؤسسات المتحفية؟
ولاية سوق أهراس، التي تمثل متحفا مفتوحا على الهواء الطلق بفضل غناها التاريخي والأثري، تتجه نحو تعزيز مكانتها الثقافية بمشروعين متحفيين في طور الإنجاز. الأول هو مشروع تحويل نزل المدينة القديم إلى متحف التاريخ والفن، حيث انطلقت الأشغال فيه يوم 1 ديسمبر 2024، ومن المتوقع أن تُستكمل مع بداية سنة 2026، ليكون إضافة نوعية تعكس الهوية التاريخية والفنية للولاية. أما المشروع الثاني، فهو المتحف الجهوي للآثار، الذي وصلت المناقصة بشأنه إلى مرحلتها النهائية، وستنطلق أشغاله قريبا. هذان المشروعان الوطنيان، اللذان يضافان إلى الإرث الثقافي المفتوح، يمثلان خطوة كبيرة نحو توثيق تاريخ المنطقة وإثراء المشهد الثقافي والسياحي فيها، لتكون سوق أهراس بحق قبلة ثقافية وتاريخية. وأقول صدقا، هنيئا لسوق أهراس بهذه المكاسب التي تعزز مكانتها الفريدة في المشهد الوطني.
ماذا عن التحف الأثرية الموجود في عديد المتاحف بالولايات الأخرى، وحتى خارج الوطن، هل سيكون هناك توجه من طرفكم لاستعادتها بعد استلام المتحف الجهوي للآثار، وهل الأطر التنظيمية الحالية تسمح بنقلها إلى موطنها الأصلي؟
بكل تأكيد، التحف والممتلكات الأثرية التي تنتمي إلى رصيد ولاية سوق أهراس والموجودة حاليا في متاحف أخرى داخل الوطن أو حتى خارجه، ستكون ضمن أولوياتنا لاستعادتها بعد استلام المتحف الجهوي للآثار. هذه التحف موجودة في المتاحف الأخرى وفق محاضر مؤقتة، وهو إجراء معتمد في الولايات التي لا تملك متاحف خاصة بها. بمجرد تجهيز المتحف الجهوي للآثار وافتتاحه، ستصبح الظروف ملائمة لاسترجاع هذه القطع وإعادتها إلى موطنها الأصلي. أشير كذلك إلى وجود تحف أثرية تم استرجاعها في السنوات الأخيرة، بفضل الجهود الجبارة للأجهزة الأمنية والعسكرية، التي تؤدي دورا محوريا في حماية التراث الوطني من كل أشكال التهريب أو التخريب. ولا يمكننا أن نغفل دور السلطات المحلية، وعلى رأسها السيد والي الولاية، الذي لطالما وجه تعليمات صارمة وتوصيات واضحة تعكس الحرص الشديد على حماية الموروث الثقافي للمنطقة. هذه الجهود المشتركة بين مختلف الجهات تمثل صمام أمان للحفاظ على الإرث الثقافي وتأكيد عودته إلى مكانه الطبيعي في ولاية سوق أهراس.
ماهي أبرز التحديات التي تواجهكم في تسيير قطاع الثقافة والفنون بولاية سوق أهراس؟
أبرز التحديات التي تواجهنا في تسيير قطاع الثقافة والفنون بولاية سوق أهراس تتجلى في القدرة على تبليغ الرسالة الثقافية بوضوح وفعالية. رسالتنا الأساسية هي إبراز الاهتمام الكبير الذي توليه السلطات العليا، وعلى رأسها السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بالجانب الثقافي. وقد جاء تأكيده الأخير في خطابه خلال الجلسات الوطنية حول السينما، حين صرّح: “الجزائر انطلقت في حركة تنموية رائدة، وقد آن الأوان لتكون الثقافة تاج هذه الحيوية”، ما يعكس أولوية القطاع الثقافي في التنمية الوطنية. التحدي الثاني يتمثل في تعبئة المجتمع المدني بكل أطيافه ومكوناته ليكون شريكا فعالا في المشهد الثقافي، ولإبراز الوجه المضيء للفعل الثقافي في مجتمع يمتاز بأصالته، سواء على المستوى الوطني أو المحلي في سوق أهراس. أما التحدي الأكبر، فهو العمل على تغيير نظرة المواطن والساكنة تجاه الثقافة، بحيث يرونها كمصدر إلهام وفخر، وكضوء مشع يضيء حاضرهم ويربطهم بماضيهم الأصيل، مع استشراف مستقبل ثقافي مزدهر. نسعى لأن تكون الثقافة مرآة للإبداع والفخر، من خلال تعزيز الحنين إلى الجذور، وربطها بحركة فنية وثقافية حديثة تلبي الطموحات. وفي هذا السياق، لا يمكن إلا أن نعبر عن امتناننا وشكرنا العميق لمجموعة كبيرة من الداعمين والمساندين الذين يقفون إلى جانبنا، ويؤمنون برسالتنا الثقافية، مما يساهم بشكل فعال في مواجهة هذه التحديات وتحقيق أهدافنا المشتركة.
ماذا عن الوعي، كيف تتعاطون مع هذا الرهان الكبير في الثقافة؟
الوعي الثقافي، من وجهة نظري، ليس مجرد رهان كبير بل هو جوهر العمل الثقافي بأسره. قد يختلف معي البعض، ولكنني أؤمن بأن التوعية والتحسيس في المجال الثقافي هو الفعل الثقافي في حد ذاته، بل إنه لبّ هذا الفعل وأحد أهم غاياته. تأثير النشاط الثقافي يتجاوز كل الفلسفات النظرية، لأنه يتغلغل في حياة الناس اليومية، ويخلق تغييرات ملموسة في طريقة تفكيرهم وتفاعلهم مع محيطهم. وفي قطاع الثقافة، من أعلى مستويات الوصاية إلى أبسط منتسب، نحن ملتزمون بتبليغ الرسالة الثقافية بشكل مباشر ودون وسيط. نسعى لتقديم الفعل الثقافي الذي يحمل في طياته رسالة توعوية، تتجسد في الأنشطة والفعاليات التي تمس الأفراد مباشرة، سواء كانوا جمهورا، فنانين، أو مهتمين بالشأن الثقافي. هذا الإيمان بالتوعية المباشرة يجعل من الثقافة وسيلة فعالة لإحداث التأثير المطلوب في بناء وعي جمعي يليق بتاريخنا وحاضرنا، ويؤسس لمستقبل ثقافي مشرق.
ماذا عن الشراكة مع المؤسسة الجامعية، هل هناك اتفاقيات تعاون أو آفاق عملية تجمعكم؟
شراكتنا مع المؤسسة الجامعية وباقي مؤسسات البحث العلمي والمعاهد التعليمية شراكة عملية ومتجذرة في الميدان. هذه الشراكة تتمثل في عدة أوجه، أبرزها الاتفاقيات الثنائية بين الوزارات، التي تجسدت ميدانيا عبر فرق البحث الجامعية التي تعمل على التنقيب والدراسة بالمواقع الأثرية في ولاية سوق أهراس. هذه الفرق لا تقتصر على البحث فقط، بل تسهم أيضا في توثيق الموروث الثقافي وترميمه، مما يعزز القيمة العلمية للتراث المحلي. وعلى مستوى الفنون، هناك اتفاقيات نوعية مثل الاتفاقية المبرمة بين المسرح الجهوي والجامعة، التي تهدف إلى إشراك الطلبة في الممارسة المسرحية وصقل مواهبهم. كما تبرز الأندية السينمائية المؤطرة من طرف المؤسسات الثقافية، التي تُعد فضاء للتلاقح بين الثقافة الأكاديمية والفعل الثقافي على أرض الواقع. ولا تقتصر الشراكة على الجامعة فقط، بل تشمل أيضا قطاعات أخرى، مثل التربية الوطنية من خلال النشاطات التربوية الثقافية، وقطاع التكوين المهني من خلال الورشات، وقطاع النشاط الاجتماعي والتضامن عبر برامج تهدف إلى إشراك الفئات الهشة في الفعل الثقافي. هذه الانفتاحية الشاملة تعكس رؤية قطاع الثقافة كجسر للتواصل بين مختلف القطاعات ومجالا خصبا للتكامل في خدمة المجتمع.
ما تقييكم لعلاقة قطاع الثقافة بالمؤسسات الإعلامية المحلية؟
علاقة قطاع الثقافة بالمؤسسات الإعلامية المحلية تشكل حجر الزاوية في نشر الوعي الثقافي وتعزيزه في المجتمعات. فالثقافة، كما تفضلت، لا يمكن أن تشعّ من دون طاقة، والإعلام هو تلك الطاقة الحيوية التي تنقل أشعة الثقافة إلى مختلف شرائح المجتمع، وتعزز من تأثيرها في الأفراد. إن الإعلام المحلي، مثل إذاعة سوق أهراس الجهوية التي أحيّيها بالمناسبة، يلعب دورا محوريا في تسليط الضوء على الفعل الثقافي بمختلف تجلياته، من الأنشطة الفنية إلى المبادرات الثقافية المحلية، ويعمل على نشرها وتوسيع دائرة تأثيرها. من خلال البرامج الموجهة والمحتوى المبدع، تقوم المؤسسات الإعلامية بتمثيل الثقافة المجتمعية، وتؤدي بذلك دورا بالغ الأهمية في ربط الفضاء الثقافي بالمتلقي المحلي، مما يعزز الهوية الثقافية ويشجع على التفاعل معها.
أشير أيضا إلى أن وزارة الثقافة كانت في السابق تضم الإعلام في مهامها، وهذا يعكس طبيعة العلاقة التكاملية بين القطاعين. الثقافة في جوهرها أسلوب حياة يحتاج إلى منصة إعلامية قادرة على توفير بيئة داعمة ومتفاعلة. وعليه، أود أن أوجه الشكر لكل من يساهم في هذا الفعل الثقافي التواصلي، من الإعلاميين والصحافيين الأفاضل، جميعنا نعمل جنبا إلى جنب لتحقيق هدف مشترك: تعزيز الثقافة المجتمعية وإيصالها إلى أبعد حد ممكن.
رسالتكم إلى المواطن الأهراسي
أدعو المواطن الأهراسي إلى فتح قلبه وعقله لكل ما يعكس ثقافته المحلية والوطنية، ومشاركتها بكل حب ورغبة في التفاعل. ليس في الثقافة تهميش أو إقصاء لأي فئة أو توجه، لأنها في جوهرها مساحة من الحرية والاحترام المتبادل. فكل مكون ثقافي يحمل رسالة، وكل اختلاف يحمل فرصة لتبادل المعارف والتجارب. لنعمل معا، جميعا، على أن نكون جزءا من هذا التفاعل الإنساني الكبير، الذي يساهم في بناء مجتمع غني بالوعي والاحترام المتبادل.
في الختام …
أود أن أعبّر عن امتناني العميق لكم جميعا، وأخص بالشكر والتقدير مراسلكم الأستاذ أكرم بوعشة، الذي يعتبر شريكا فعالا في إثراء المشهد الثقافي بولاية سوق أهراس، ويسهم بشكل كبير في تعزيز الفعل الثقافي المحلي. كما أوجه تحياتي الحارة لكل طاقم الجريدة الكرام، الذين يعملون بجد وإخلاص لإيصال الكلمة الطيبة والمعلومة الهادفة إلى قراء جريدة أخبار الشرق الأعزاء.
وأختم برسالة محبة ووفاء لهذه الأرض الطيبة، الجزائر الحبيبة، مع ترديد كلمة الحق التي تنبض في قلوبنا جميعا: “تحيا الجزائر، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار”.
حاوره :أ. أكرم بوعشة