انطلقت، أمس الإثنين، أشغال إعادة تهيئة متحف هيبون الأثري، أحد أهم المعالم التاريخية التي تجسد عراقة المدينة وعمقها الحضاري الممتد عبر القرون، ويأتي هذا المشروع في إطار الجهود المبذولة من قبل مديرية الثقافة والفنون للحفاظ على التراث الأثري وترميم الفضاءات التاريخية التي تشهد على عظمة حضارة هيبون القديمة.
وتسعى عملية التهيئة إلى إعادة الاعتبار للبنية التحتية للمتحف من خلال تحسين قاعات العرض وتجديد الإضاءة والواجهات، إلى جانب تزويد الفضاء بوسائل عرض حديثة تواكب التطور التكنولوجي وتتيح للزوار تجربة تفاعلية ثرية. كما ستشمل الأشغال صيانة المرافق الخارجية والمسارات التي تربط المتحف بالموقع الأثري المجاور. ويعتبر متحف هيبون أحد أبرز الواجهات الثقافية والسياحية في الشرق الجزائري، لما يحتويه من قطع أثرية نادرة تعود إلى العهدين الفينيقي والروماني، فضلًا عن مجموعات خزفية وتماثيل ونقوش حجرية تعكس مراحل متعددة من تاريخ المدينة، هذا ويعد متحف هيبون الأثري أكثر من مجرد موقع تاريخي، فهو ذاكرة خالدة وفضاء يجسد تواصل الحضارات التي مرت على مدينة عنابة، أو كما كانت تعرف قديما باسم مدينة الملوك. وتتميز هيبون بخصية نادرة جعلتها استثناءً على مستوى الجزائر وإفريقيا وربما العالم، إذ إن أرضها فرشت بالكامل بالفسيفساء في مساحة تقارب 4500 متر مربع، وهي مساحة ضخمة اعتبرها المختصون فريدة من نوعها في المدن الأثرية القديمة. وما يزيد من تفرد هذا الإرث الفني هو أن الفسيفساء المستخدَمة ملونة، بخلاف ما هو شائع في أغلب المواقع التي تمثل تلك الحقب التاريخية، حيث يغلب عليها اللون الأحادي. وقد تم توثيق هذه الفسيفساء في صور وجدران المتحف لتمنح الزائرين فرصة نادرة لاكتشاف روعة الفنون القديمة ودقة الصناعة الفنية التي ميّزت حضارة هيبون. وينظر إلى مشروع إعادة تهيئة متحف هيبون كخطوة أولى نحو إعادة بعث الحياة في الفضاءات التاريخية بولاية عنابة وتعزيز حضورها ضمن المسار الثقافي الوطني. كما يأمل المهتمون أن تساهم هذه الأشغال في جعل المتحف فضاءً متكاملاً للتعريف بتاريخ المنطقة العريق وإبراز موروثها الحضاري على الصعيدين الوطني والدولي.
سلمى حطاب