السبت 18 يناير 2025
أخبار الشرق

اللغة الأمازيغية بين الهوية الثقافية وتحديات الاستدامة

تعتبر اللغة الأمازيغية واحدة من أهم العناصر الثقافية التي تميز الجزائر، فهي تعبر عن عمق التاريخ وتنوع الثقافات التي تعايشت على هذه الأرض منذ آلاف السنين.

إنها ليست مجرد وسيلة تواصل بين الأفراد، بل رمز للهوية الأمازيغية التي ظلت حية رغم كل التحديات التي واجهتها عبر العصور، وهي من أقدم اللغات في شمال إفريقيا، حيث تعود جذورها إلى حقب تاريخية عتيقة سبقت الفتوحات الإسلامية بفترات طويلة. تنتشر بين مختلف القبائل الأمازيغية التي استوطنت مناطق واسعة من الجزائر الحالية، فكانت وسيلة أساسية للتواصل بين شعوب متنوعة تحكمها ثقافات وعادات مختلفة، إلا أن جميعها حافظت على اللغة الأمازيغية كرمز يجمعها.

الأمازيغية حافظت على وجودها رغم الفتوحات الإسلامية

ورغم الفتوحات الإسلامية ودخول العرب إلى شمال إفريقيا، حافظت اللغة الأمازيغية على وجودها جنبا إلى جنب مع اللغة العربية، لتشكل جزءا أساسيا من الهوية الثقافية للمنطقة. ولكن مع الاستعمار الفرنسي في القرن 19، بدأت اللغة الأمازيغية تواجه تحديات كبيرة، حيث سعى المستعمر إلى تهميشها مقابل فرض اللغة الفرنسية كلغة رئيسية للتعليم والإدارة.

 تم تهميشها خلال فترة الاستعمار الفرنسي

خلال فترة الاستعمار الفرنسي، تعرضت اللغة الأمازيغية للاضطهاد، تم تهميشها بشكل ممنهج من قبل السلطات الفرنسية. فكان الهدف الأساسي استبدال الهوية الوطنية الجزائرية بالهوية الفرنسية، ما أدى إلى تقليص استخدام الأمازيغية في المدارس والمؤسسات الرسمية. ومع ذلك، بقيت اللغة الأمازيغية حاضرة في المنازل وبين العائلات التي استمرت في تعليم أبنائها هذه اللغة في الخفاء، مما حافظ على وجودها عبر الأجيال.

 بعد الاستقلال بدأت الحركات الثقافية تدعو إلى إعادة الاعتبار للغة الأمازيغية

بعد سنوات من النضال الثقافي والسياسي، بدأت الأمور تأخذ منحى آخر بعد استقلال الجزائر عام 1962، بدأت الحركات الثقافية تدعو إلى إعادة الاعتبار للغة الأمازيغية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الوطنية الجزائرية. كانت هذه الدعوات تتصاعد حتى جاء الاعتراف الرسمي بالأمازيغية كلغة وطنية في عام 2002، وهو ما شكل تحولا كبيرا في سياسة الدولة تجاه اللغة الأمازيغية.

نقطة تحول …الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية في الدستور الجزائري

في جانفي 2016، شهدت الجزائر نقطة تحول أخرى عندما تم الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية في الدستور الجزائري، إلى جانب اللغة العربية. هذا الاعتراف جاء نتيجة لضغوط مستمرة من المجتمع المدني والحركات الثقافية الأمازيغية التي طالبت بإعطاء اللغة الأمازيغية مكانتها المستحقة. وتتميز اللغة الأمازيغية في الجزائر بتنوعها الكبير من حيث اللهجات المستخدمة بمختلف المناطق. مما يعكس تنوعا ثقافيا وحضاريا تمتاز به الجزائر، حيث يتحدث بها ما يزيد عن 10 ملايين شخص موزعين عبر عدة مناطق في البلاد. من بين أبرز هذه اللهجات:

 القبائلية: تنتشر في منطقة القبائل الكبرى والصغرى، وتعد من أكثر اللهجات الأمازيغية استخداما وانتشارا.

الشاوية: تنتشر بمنطقة الأوراس، وتعتبر من اللهجات المهمة في الشمال الشرقي للجزائر.

التارقية: يتحدث بها سكان الطوارق بالجنوب الجزائري، وتمتاز بخصوصيتها الثقافية.

المزابية: تنتشر بمنطقة وادي ميزاب، وتتميز بارتباطها بالثقافة الإباضية.

ورغم هذا التنوع الكبير، فإن جميع اللهجات الأمازيغية تشترك في أصول لغوية مشتركة، مما يسهل التفاهم بينها. ولا تقتصر الأمازيغية على كونها لغة، بل هي حاملة لثقافة غنية بالتقاليد والعادات التي تعكس روح المجتمع الأمازيغي. من خلالها، يتم الحفاظ على الحكايات الشعبية، الأغاني التقليدية، والشعر الملحون الذي يتناقل شفهيا بين الأجيال. هذا الإرث الثقافي يساهم في حفظ الهوية الأمازيغية ويشكل جزءا لا يتجزأ من التراث الثقافي الجزائري. إضافة إلى ذلك، تساهم المهرجانات الثقافية الأمازيغية في تعزيز هذه الهوية، مثل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية “يناير”، الذي يعد من أهم المناسبات الثقافية في الجزائر. يجتمع الأمازيغيون من مختلف المناطق للاحتفال بهذه المناسبة، مما يعزز التواصل بين مختلف مكونات المجتمع الأمازيغي. بعد الاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية، انطلقت العديد من المشاريع والمبادرات التي تهدف إلى تعزيز مكانتها وحمايتها من الاندثار. قامت الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية بوضع قواعد موحدة للغة، ما سهل استخدامها في الإعلام والتعليم. كما تم إنشاء العديد من القنوات التلفزيونية والإذاعية التي تبث باللغة الأمازيغية، مما ساهم في نشر اللغة وتعريف الأجيال الجديدة بها. ومن ناحية التعليم، شهدت الجامعات الجزائرية إقبالا متزايدا على دراسة اللغة الأمازيغية، حيث أصبحت تخصصا أكاديميا يمكن للطلبة دراسته. وتعتبر جامعة تيزي وزو وجامعة باتنة من أبرز المؤسسات التي تقدم برامج تعليمية متخصصة في اللغة والثقافة الأمازيغية.

اللغة الأمازيغية لا تزال تواجه بعض التحديات

ورغم الجهود المبذولة، لا تزال اللغة الأمازيغية تواجه تحديات عدة. من أبرز محدودية انتشار اللغة في وسائل الإعلام والمحتوى الرقمي. ما زال المحتوى الأمازيغي المتاح ضعيفا مقارنة بالمحتوى العربي أو الفرنسي، مما يشكل تحديا أمام الناطقين بالأمازيغية في العثور على مصادر تعليمية وثقافية تدعم تعلمهم لهذه اللغة. إن تعليم الأمازيغية في المدارس لا يزال يواجه عقبات، حيث يتطلب توفير مزيد من المعلمين المؤهلين وتوحيد المناهج الدراسية. كما أن العديد من المناطق الريفية التي تتحدث الأمازيغية تعاني من نقص في الدعم الحكومي لتعزيز تدريس اللغة بشكل منتظم ومنهجي.

س.حطاب

مواضيع ذات صلة

تتويج الفيلم الجزائري ” فرانز فانون” بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان الأقصر

akhbarachark

العرض الشرفي لمسرحية “الفأر الخياط” هذا الخميس بعنابة

akhbarachark

تنظيم ملتقى وطني حول الشهيد حمه لخضر وقادة الثورة بوادي سوف

akhbarachark