الإثنين 13 أكتوبر 2025
أخبار الشرق

الخلوة العنابية وفراش الذهب.. طقوس العروس التي تحفظ ذاكرة المدينة عبر العصور

تعد الخلوة العنابية واحدة من أبرز الطقوس التراثية التي تميز مدينة عنابة عن سائر المدن الجزائرية، لما تحمله من رموز ثقافية وجمالية متوارثة منذ قرون، إذ تجمع بين الزينة، الفخر، والأنوثة المترفة في لوحة من الأصالة والبهاء.

في هذه المناسبة، تتأنق العروس العنابية في خلوة الحمام بمجموعة من القنادر الفاخرة التي تعبر عن ذوقها ورقيها، وغالبا ما تختار ثلاث قنادر أو أكثر من بين التشكيلة التقليدية المذهلة التي تشتهر بها المدينة. ومن بين أبرز هذه القنادر نجد: قندورة الهيبوني بعكسة الهيبوني، قندورة التل بعكسة التل، قندورة الوبرة وقندورة الفتلة، إلى جانب قندورة قشور الحوت التي تميّزها لمعة خاصة مستوحاة من البحر. كما تميل بعض العرائس إلى اختيار جبة العكار أو الشطار، اللباس الموريسكي الأندلسي الأصيل، في لمسة تُبرز عمق التلاقح الحضاري الذي عرفته عنابة منذ القدم.

 فراش الذهب.. مرآة التاريخ والأنوثة

يرتبط اسم فراش الذهب العنابي ارتباطًا وثيقًا بتراث المدينة، وسمي بهذا الاسم لأنه يطرز بخيوط من الذهب الخالص بأنواعه المختلفة. يعود ظهوره إلى القرن الخامس عشر، متزامنًا مع ظهور القندورة في الجزائر، وهو شاهد على العلاقات التجارية التاريخية التي جمعت عنابة بمدينة جنوة الإيطالية منذ القرن الثاني عشر. ففي تلك الفترة، كان ميناء عنابة شريانًا رئيسيًا للتجارة في البحر المتوسط، حيث كانت جنوة تصدّر قماشها الفاخر إلى عنابة مقابل مرجانها النفيس، وهو ما ألهم النساء العنابيات لاستخدام قطيفة جنوة في تصميم أجمل القطع كـ قندورة الفتلة والكوكتال العنابية المزيّنتين بالمرجان واللؤلؤ والكريستال، قبل أن تظهر لاحقًا تصاميم أخرى مثل الشامسة الجيجلية. كما استخدمت المرأة العنابية فراش الذهب في إعداد أفرشة العروس وتزيين غرف النفاس والمناسبات، فصار جزءًا لا يتجزأ من طقوس الزفاف، يرمز إلى الرفاه والبركة، ويجسّد ذوقًا فنيًا راقيًا صاغته أنامل نساء المدينة جيلاً بعد جيل.

 رمزية التراث واستمرارية الجمال

لم تكن الخلوة العنابية مجرّد طقس احتفالي، بل مرآة لهوية المرأة العنابية التي جعلت من اللباس والزينة لغة للتعبير عن الذات والاعتزاز بالأصل. فالـ شاشية الدلالة وإكسسوارات الرأس، إلى جانب فراش الذهب المجبود والفتلة، كلها عناصر تتداخل في مشهد تراثي ساحر يحكي حكاية الأنوثة المتألقة في مدينة البحر والمرجان. اليوم، تسعى الجمعيات الحرفية والحرفيات المحليات بعنابة إلى نقل هذا التراث إلى الأجيال الجديدة، من خلال ورشات تعليم الطرز التقليدي وتنظيم معارض تبرز جمال القنادر العنابية وفراش الذهب، حفاظًا على هذا الإرث الذي لم يبهت بريقه رغم مرور الزمن.

ويبقى التراث العنابي، بكل تفاصيله من قندورة الهيبوني إلى فراش الذهب، سيمفونية من الجمال والتاريخ تعيد إلى الأذهان أمجاد مدينة هيبونة العريقة، وتذكّر بأن عنابة ليست فقط مدينة البحر، بل أيضا مدينة الحرف والفن والأنوثة المتجذّرة في الذاكرة الجزائرية.

سلمى حطاب

مواضيع ذات صلة

قافلة البويرة تتجول بين جسور قسنطينة وسحر عمرانها

akhbarachark

الوزيرة بن دودة تستقبل رئيس مهرجان لحويطات الدولي للثقافة والتنمية

akhbarachark

تيمقاد تستعيد نبضها الثقافي بأولى أمسيات ثاموقادي الشعرية

akhbarachark